تفاصيل المنشور
- المستشكل - مؤيد كريم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 52 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هناك من يقول: إن الإمام جعفر بن محمد (ع) سُمِّي بالصادق نسبةً إلى جده أبي بكر الصديق، فكيف نردُّ على دعوى القائل؟
المستشكل
مؤيد كريم
هناك من يقول: إن الإمام جعفر بن محمد (ع) سُمِّي بالصادق نسبةً إلى جده أبي بكر الصديق، فكيف نردُّ على دعوى القائل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
هذه النسبة باطلةٌ مكذوبة، فالإمام الصادق (عليه السلام) لقّبه بذلك جدُّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره أصدق إنسانٍ في حديثه وكلامه، وهو ثابتٌ في مرويّاتنا، وبذلك شهد أعلامُ أهل السُّنة، قال الرازي في كتابه “حدائق الحقائق”: ((جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم، سادس الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية. كان من سادات أهل البيت، ومن أجلّاء التابعين، لقّب بالصادق لصدقه)) [حدائق الحقائق، محمد بن أبي بكر الرازي، ص١٤٧].
وقال السّمعاني في أنسابه: ((الصادق لقَبٌ لجعفر الصادق لصدقه في مقاله)) [الأنساب، للسمعاني، ج8، ص250].
وقال أبو المظفر الإسفرايني في كتابه التبصرة: ((هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، لقب بالصادق؛ لأنه لم يُعرف عنه الكذب قط)) [التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، أبو المظفر الإسفرايني، ص٣٢].
وقال أبو محمد الحضرمي الشافعي (٨٧٠ – ٩٤٧هـ) في كتابه “قلادة النحر”: ((جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي . لقب بالصادق لصدقه في قيله)) [قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، لابن أبي مخرمة، ج٢، ص165].
وجاء في هامش كتاب “خريدة القصر وجريدة العصر”: ((جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو عبد الله، سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان من أجلاء التابعين، ومن سادات أهل البيت، لقب بالصادق لصدقه في مقالته)). [خريدة القصر وجريدة العصر، عماد الدين الكاتب الأصبهاني، ج٣، هامش ص ٢٧٨].
وأما لقب الصدّيق، فالثابت هو لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، سمّاه به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال المحبّ الطبري في “الرياض النضرة”: ((ولم يزل اسمه في الجاهلية عليًّا، وكان يُكنى أبا الحسن، وسمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صِدّيقاً. عن أبي ليلى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “الصّدّيقون ثلاثة، حبيب بن مري النجّار ومؤمن آل ياسين… وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب الثالث، وهو أفضلهم”. خرّجه أحمد في المناقب، وكنّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي الريحانتين)) [الرياض النضرة، ج3، ص104، الجامع الصغير للسيوطي، ج2، ص115، فيض القدير للمناوي، ج4، ص313].
وروى المناوي في “فيض القدير”، عن أبي ذر، وسلمان، أنهما قالا: ((أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد عليٍّ، فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا «الصدِّيق الأكبر»، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين. وقال: رواه الطبراني والبزار، عن أبي ذر، وسلمان، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 102، وقال: رواه الطبراني، والبزار، عن أبي ذر وحده، والمتقي الهندي في كنز العمال ج 6 ص 156، وقال: رواه الطبراني، عن سلمان، وأبي ذر معًا، والبيهقي، وابن عدي، عن حذيفة)). [فيض القدير، ج4، ص358].
فعليٌّ (عليه السلام) هو الصدِّيق الأكبر، والفاروق بين الحق والباطل، ويعسوب المؤمنين، بلسانِ وحي رسول ربِّ العالمين، وجاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ((سيكون من بعدي فتنةٌ، فإذا كان ذلك، فالزموا عليَّ بن أبي طالب، فإنه أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو «الصديق الأكبر»، وهو فاروق هذه الأمة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين)). [الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، ج7، ص294؛ الجامع الكبير، للسيوطي، ج5، ص358؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ج4، ص1744].
وجاء عن الإمام علي (عليه السلام) في بيانٍ واضح وصريح بأنّ كل من يدّعي “الصدّيقيّة” بعده فهو كذّابٌ مفترٍ، فقد روى علماءُ أهل السُّنة عن عبّاد بن عبد الله، أنه قال سمعت عليًّا يقول: ((أنا عبدُ الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كذاب مفترٍ، لقد صليتُ قبل الناس بسبع سنين)) [كتاب السنة، لابن أبي عاصم، ج2، ص598؛ المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج3، ص112. وقال: صحيح على شرط الشيخين؛ جامع الأحاديث، للسيوطي، ج30، ص463؛ المصنف، لابن أبي شيبة، ج6، ص368؛ سنن ابن ماجة، ج1، ص44، قال محققه محمد فؤاد عبد الباقي: «في الزوائد: هذا الإسناد صحيح. رجاله ثقات. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال، وقال: صحيح على شرط الشيخين»؛ السنن الكبرى، للنسائي، ج7، ص409؛ معرفة الصحابة، لأبي نعيم، ج1، ص86].
ولو كانت تسمية أبي بكر بـ (الصدّيق) قد حصلت في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاحتج بها أبو بكر أو عمر، أو غيرهما في السقيفة على الأنصار، كما احتجوا بسِنِّه، وبكونه صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار. والصدّيقيّة أدلّ على ما يريدون، وأشدّ إلزامًا بالحجة لخصومهم، وأقرب إلى الإقناع. [يُنظر: مختصر مفيد، ج1، ص246].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.