مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

السيد الخوئي (قده) لا يقول بكفر أهل السنة ولا بجواز لعنهم

تفاصيل المنشور

السؤال

ها هو الخوئـي يقول بكفر أَهل السنّة وجواز لعنهم في كتابه مصباح الفقاهة ويثبت بالروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار السبّ عليهم، ويقول لا شبهة في كفرهم، ويأتي أتباعه ومقلدوه فيقولون أنه أراد بذلك الناصبي ولكن عرف من فتاوى فقهائكم ان كلمة المخالف تعني السنّي، وبالنتيجة أنتم تكفّرون أَهل السنّة كلّهم. 

السائل

جلال محمد جلال

تفاصيل المنشور

السؤال

ها هو الخوئـي يقول بكفر أَهل السنّة وجواز لعنهم في كتابه مصباح الفقاهة ويثبت بالروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار السبّ عليهم، ويقول لا شبهة في كفرهم، ويأتي أتباعه ومقلدوه فيقولون أنه أراد بذلك الناصبي ولكن عرف من فتاوى فقهائكم ان كلمة المخالف تعني السنّي، وبالنتيجة أنتم تكفّرون أَهل السنّة كلّهم. 

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
نقول في الردّ على هذا الكلام: هناك قاعدة معروفة عند الفقهاء تقول: التفصيل قاطع للشركة، ففي كلّ مورد يجري فيه التفصيل بين شيئين فهذا يعني أنّهما لا يشتركان في نفس الحكم.. وفي موردنا هنا نجد أنّ فقهاء الإمامية قد فصّلوا في موضوع المخالف وصنفوه إِلى صنفين: مخالف ناصبي، ومخالف غير ناصبي، فالأوّل قالوا بكفره ونجاسته، والثاني قالوا بإسلامه وطهارته.. فالفرق بين السنّي الناصبي والسنّي غير الناصبي واضح جداً، لاختلاف الموردين موضوعاً وحكماً؛ إذ بين الإثنين عموم من وجه كما هو واضح، والخلط بينهما من الجهل بمكان.
وأمّا الوجه في حكم فقهائنا على الناصبي بالكفر والنجاسة فهو لمخالفته الضروري في الإسلام، الذي هو لزوم محبة أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومودّتهم، وهذا الحكم لا تنفرد به الشيعة الإمامية فقط، فالناصبي ملعون عند المسلمين جميعاً، فها هو ابن تيمية يقول في أجوبته على مسائل مقدم المغولي ما نصّه: ((قال (أي مقدم): فما تحبّون أهل البيت؟ قلت (ابن تيمية): محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه. قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟ قلت: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)) [انظر: كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة، ج4، ص488].
بقي أن نشير إِلى ما يستند إليه البعض من تكفير الشيعة مقابل تكفيرهم للسنّة بما يجده من عبارات توهم التكفير في بعض كتبهم، فمثلاً جاء في كتاب “مصباح الفقاهة” للسيد الخوئـي ما نصّه: ((أنّه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار السبّ عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم: أَيّ غيبتهم لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم؛ لأَنّ إنكار الولاية والأئمة حتّى الواحد منهم والإعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة)) [مصباح الفقاهة، ج2، ص11].
ونقول في الردّ على هذه الدعوى: من المعروف في علم الأصول عند الفريقين أنّه عند تعارض الظهورات في الأقوال يصار إِلى الجمع العرفي بينها، وقد مرّ بنا سابقاً من كلام السيد الخوئي في فتاويه أنّه يقول بإسلام المخالف ـ أَيّ السني غير الناصبي ـ وطهارته، بينما ظاهر عبارته هنا يوحي خلاف ذلك.. فكيف يتم الجمع بين الكلامين؟!
وفي الجواب عنه نقول: تحمل عبارته هنا على المخالف من أهل الريب والبدع لا مطلق المخالف، بدليل أنّه (قدس سره) قد استند في كلامه هذا ـ كما هو الملاحظ من صدر عبارته ـ على ما ثبت في الروايات والأدعية والزيارات، وعندما نرجع إِلى الروايات نجد هذا التفصيل الذي أشرنا اليه، كهذه الرواية الصحيحة السند التي رواها الشيخ الكليني في الكافي عن داود بن سرحان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لهم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات)). وهذه الرواية قد صححها السيد الخوئي في كتابه “مصباح الفقاهة” (مصباح الفقاهة، ج1، ص281 و354]، فراجع ثمة..
وكذلك قول السيد الخوئي: (لا شبهة في كفرهم)، فهو بعد حكمه بإسلام المخالفين في فتاويه الصريحة في “المنهاج” يكون المراد من تكفيرهم هنا الكفر الأصغر، أَيّ كفر المعصية المقابل للطاعة، دون الكفر الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.
فإنّ للكفرـ كما تقدّم بيانه ـ إطلاقات في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، فقد يطلق الكفر ويراد به المعصية كما في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، أَو يراد به كفران النعم، كما في قوله (سبحانه وتعالى): {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إِبراهيم:7]، فهذا كلّه من الكفر الأصغر أَو كما يطلق عليه البعض: كفر دون كفر.. فها هو البخاري يعنون باباً في صحيحه تحت عنوان: (باب كفران العشير، وكفر دون كفر). قال ابن حجر في “فتح الباري”: ((قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه: مراد المصنف أن يبين أنّ الطاعات كما تسمى إيماناً كذلك المعاصي تسمى كفراً، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة)) [فتح الباري، ج1، ص78].
وعليه فلا مجال لمؤاخذة الشيعة الإمامية على بعض العبارات الموجودة في كتبهم هنا وهناك، وذلك بعد إمكان الجمع بينها جمعاً عرفياً صحيحاً ينتهي إِلى القول بإسلام المخالف السنّي ـ غير الناصبي ـ وطهارته، وأَمّا محاولة البعض اقتطاع هذه النصوص وإبرازها دون بقية الأقوال الأخرى للعلماء، فهذه عملية فاشلة وبائسة، تكشف عن جهل فاعليها وقصورهم في الجمع بين كلمات أهل العلم بشكل صحيح، وقد عاب المولى (سبحانه وتعالى) الذين يجعلون القرآن عضين، أَيّ الذين يجزؤونه أجزاء فيؤمنون ببعض ويكفرون بالبعض الآخر، والحال أنّ مصدر الكلام واحد!.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.