تفاصيل المنشور
- المستشكل - اسلام عبد الله
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 17 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لم يصح عندنا أن يزيد أمر بقتل الحسين والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد والي الكوفة إذ ذاك، وأما سب يزيد ولعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين، وإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ: إن لعن المؤمن كقتاله (البخاري 10/479)، وقاتل الحسين لا يكفر بذلك، والمآتم ما هي الا محافل لعن الصحابة وأبناء الصحابة والتابعين وأبناء التابعين.
المستشكل
اسلام عبد الله
لم يصح عندنا أن يزيد أمر بقتل الحسين والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد والي الكوفة إذ ذاك، وأما سب يزيد ولعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين، وإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ: إن لعن المؤمن كقتاله (البخاري 10/479)، وقاتل الحسين لا يكفر بذلك، والمآتم ما هي الا محافل لعن الصحابة وأبناء الصحابة والتابعين وأبناء التابعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
يُفهم من كلامك إنّ محاربة قضايا الحسين (عليه السلام) ومحاربة المآتم الحسينية وقضايا عاشوراء، كلّ ذلك، لئلاّ يلعن يزيد (عليه العنة) ويلعن من فوقه صعودا، الأمر الذي أكده التفتازاني بعد أن لَعَنَ يزيد بن معاوية ولعن كلّ من حمل ظلماً على أهل البيت (عليهم السلام) فقال: ((فإنْ قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا: تحامياً عن أنْ يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى)). [شرح المقاصد، ج5، ج311].
أما قولك: (لم يصح عندنا أن يزيد أمر بقتل الحسين والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد والي الكوفة إذ ذاك)، فيكذبه أقوال علمائكم:
فقد قال الآلوسي في “روح المعاني”: ((لا توقُّف في لعن يزيد؛ لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة. فقد روى الطبراني بسند حسن: اللهمّ، مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه (لعنة الله) والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)، والطامَّة الكبرى ما فعله بأهل البيت (عليهم السلام)، ورضاه بقتل الحسين (عليه السلام) على جدِّه و(عليه الصلاة والسلام) واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه وإنْ كانت تفاصيله آحاداً)) [روح المعاني، الآلوسي، ج26، ص72].
وقال المنّاوي في “فيض القدير”، وابن العماد الحنبلي في “شذرات الذهب”: ((قِيل لابن الجوزي، وهو على كرسي الوعظ: كيف يُقال: يزيد قتل الحسين [عليه السلام] وهو بدمشق، والحسين [عليه السلام] بالعراق؟ فقال: سهمٌ أَصَابَ وراميه بـذي سَلَـمٍ مَنْ بالعراقِ لقد أبعدتَ مَرْمَاكا)) [فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج1، ص265، شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، ج1، ص68].
وقال التفتازاني: ((الحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين [عليه السلام] وإهانته أهل البيت [عليهم السلام] ممّا تواتر معناه، وإنْ كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقَّف في شأنه بل في إيمانه (لعنة الله عليه) وعلى أنصاره وأعوانه)) [فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج3، ص109].
وقال الزين العراقي، معقبا على قول التفتازاني المتقدم: ((وقوله: “بل في إيمانه”، أي: بل لا يتوقَّف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده)) [المصدر نفسه].
وقال الذهبي في “سير أعلام النبلاء”: ((وكان ناصبياً، فظاً غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين [عليه السلام]، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس، ولمْ يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين [عليه السلام] كأهل المدينة قاموا لله، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري، ونافع بن الأزرق)) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج4، ص37].
وأما مشروعية لعن يزيد بن معاوية (لعنهما الله)، فثابتة بالكتاب والسنة، فقد استدلّ الاِمام أحمد بن حنبل بقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [سورة محمّد:22 و23]، على لعن يزيد، كما حكاه أبو الفرج ابن الجوزيّ في “الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد”، عن القاضي أبي يعلى محمّد بن الحسين بن الفرّاء، إذ روى في كتابه “المعتمد في الاَصول” بإسناده عن صالح بن أحمد، قال: ((قلت لاَبي: إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد. فقال: يا بُنيّ! وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟! فقلت: لِمَ لا تلعنه؟! فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئاً؟! لِمَ لا يُلعن من لعنه الله في كتابه؟! فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟! فقرأ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} الآية، فهل يكون فساد أعظم من القتل؟)) [الردّ على المتعصّب العنيد، ص16ـ 17].
وحكى الشبراوي عن الاِمام أحمد بن حنبل أنه قال بعد ذكر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ… وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:35]: ((وأيُّ قطيعةٍ أفظع من قطيعته صلى الله عليه وآله وسلم في ابن بنته الزهراء)) [الاِتحاف بحبّ الاَشراف، ص64].
وقد كان يزيد اللعين منافقاً ظاهر النفاق، دلّت على ذلك أقواله وأفعاله وأحواله، فقد اشتهر عنه أنّه لمّا جاءه رأس الإمام الحسين (عليه السلام) جمع أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد أبيات ابن الزبعرى المشهورة:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا*** جزع الخزرج من وقع الاَسلْ
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثمّ قالوا: يا يزيد لا تشلْ
قد قتلنا القرم من ساداتهم*** وعدلناه ببدرٍ فاعتدلْ.
قال ابن كثير بعد ايراده هذه الاَبيات: ((فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين)). [البداية والنهاية، ج8، ص154و163و179].
وأكد الطبري في تاريخه قول يزيد اللعين للأبيات بقوله: ((فقال [يعني يزيد] مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه:..))، ثمّ قال الطبري ـ بعد ذكر الاَبيات ـ: ((هذا هو المروق من الدين، وقول مَن لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله)) [تاريخ الطبري، ج4، ص537 و623].
وقد دلّت السُنّة المطهّرة على جواز لعن يزيد (عليه لعائن الله)، فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن أبي هريرة قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليٍّ وفاطمة والحسنين (عليهم السلام): ((أنا حرب لمن حاربكم، وسلْم لمن سالمكم))، [مسند أحمد، ج2، ص442].
وروى الترمذي عن زيد بن أرقم: ((أنا حرب لمن حاربتم، وسلْم لمن سالمتم)) [سنن الترمذي، ج5، ص656].
والحديث فيه دلالة واضحة على أنّ محاربة الإمام الحسين (عليه السلام) هي محاربة لجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وروى الحاكم في مستدركه عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((ستّة لعنتهم، لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله تعالى، والمتسلّط بالجبروت فيعزّ من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والتارك لسُنّتي))، رواه الحاكم عن عائشة [المستدرك على الصحيحين، ج2، ص572؛ مجمع الزوائد، ج1، ص176].
وقال المُناوي مبيناً معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله»: ((يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله من إيذائهم أو ترك تعظيمهم، فإن اعتقد حلّه فكافر، وإلاّ فمذنب))، وقال: ((وخصّ الحرم والعترة باللعن لتأكّد حقّ الحرم والعترة وعظم قدرهما بإضافتهما إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم)) [فيض القدير، ج4، ص96].
كما أنه لا خلاف في أنّ يزيد (عليه لعائن الله) قد أخاف أهل المدينة وظلمهم وآذاهم، وذلك في وقعة الحرّة، قال الاِمام أحمد: ((أليس قد أخاف أهل المدينة؟!)) [الردّ على المتعصّب العنيد، ص].
وقد صحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لعن من أخاف أهل المدينة، فقد روى مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((من أخاف أهل المدينة أخافه الله عزّ وجلّ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً))، [صحيح مسلم، ج4، ص114 و115؛ مسند أحمد، ج4، ص55 و56؛ مجمع الزوائد، ج3، ص306].
وأخرج الطبراني من حديث السائب بن خلاّد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: ((اللّهمّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخِفْه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)) [المعجم الكبير، ج7، ص144؛ مجمع الزوائد، ج3، ص307؛ كنز العمّال، ج12، ص246؛ علل الحديث ـ لاَبي حاتم الرازي ـ، ص787 و2605؛ الترغيب والترهيب، ج2، ص233 ـ 235].
ورواه الطبراني أيضاً في الاَوسط والكبير عن عبادة بن الصامت بإسناد جيّد ـ كما قال الحافظ المنذري. [الترغيب والترهيب، ج2، ص232؛ المعجم الاَوسط، ح3613].
وأخرج الطبرانيّ في المعجم الكبير عن عبد الله بن عمرو، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من آذى أهل المدينة آذاه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل)) [الترغيب والترهيب، ج2، ص241].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.