مركز الدليل العقائدي

السؤالُ عن فائدة الإمامة بسبب الجهل بحقيقتها

تفاصيل المنشور

السؤال

ماذا استفاد المسلمون من إمامة عليٍّ؟ وما الإضافةُ التي أضافها عليٌّ للدين بعد موت النبي؟

السائل

نور الدين

تفاصيل المنشور

السؤال

ماذا استفاد المسلمون من إمامة عليٍّ؟ وما الإضافةُ التي أضافها عليٌّ للدين بعد موت النبي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

هذا السؤال لا يُطرَح إلا ممن يعتقد أنّ الإمامة خاضعةٌ لاجتهاد الناس، فيتصوَّر أنها منصبٌ سياسيّ يُمنح، ويؤخذ على وفق اختيارهم، فيقال عندئذ: ما فائدةُ إمامة مَن اخترناه؟

أما إذا كانت الإمامة جعلًا إلهيًّا، كما هو مقتضى الضرورة الدينيّة والعقلية، فإنّ السؤال عن فائدتها يصبح تحاكمًا إلى هوى النفس؛ لأن الله سبحانه لا يُسأل عما يفعل، وهم يُسألون.

إنّ مَن يثير هذا الإشكال قد غابتْ عنه حقيقة الإمامة وموقعها في الدين، فظنّ أنّ الخلافة مجرَّد سياسةٍ دنيويّة، بينما الإمامة هي الامتداد الحقيقيّ للنبوة، وهي اللطف الإلهيّ الذي لا يُتصوَّر حفظ الدين بدونه. فمن ظنّ أنّْ الإسلام يمكن أن يبقى بغير إمامٍ معصوم، فهو إما جاهل بمبادئ الإسلام أو أنه متعمِّد للمكابرة، متغافلٌ عن النتائج الكارثيّة التي حلّت بالأمة بعد إقصاء الإمام الحقّ.

ولأن الله سبحانه لا يترك دينه بلا حافظ، فقد شاء أنْ لا تكون الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا قائدٍ معصوم، بل عيّن وصيًّا له كما جرت سنّة الله عزّ وجلّ مع أنبيائه جميعًا، فلا يوجد نبيٌّ إلّا وله وصيٌّ يحفظ شريعته من التحريف، وقد نصّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) نصًّا صريحًا يوم الغدير بقوله: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه».

ولأن هذا التنصيب لم يكن قولًا عابرًا أو موقفًا ظرفيًّا، بل كان إبلاغًا إلهيًّا لا مجال للشك فيه، فقد شهد كثيرٌ من علماء أهل السُّنة بدلالة هذا الحديث المتواتر على التنصيب، ومنهم الإمام الغزاليّ الذي قال في كتابه سرّ العالمين ما نصّه: «لكنْ أسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمٍّ باتّفاق الجميع، وهو يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فقال عمر: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، لقد أصبحتَ مولاي ووليّ كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضًا وتحكيم» [سر العالمين، للغزالي، ص483].

وبما أنّ هذا النصّ ثابت ومُقَرٌّ به، فكيف يُتصوَّر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُعيِّن من لا فائدة في ولايته؟!

وهل يُمكن أنْ يَجعل النبيُّ (صلى الله عليه وآله) أمر الأمّة في يد مَن لا أثر له في الدين؟! بل كيف يجرؤ أحدٌ على افتراض أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخطأ في اختياره أو بالغ في بيانِ شأن عليٍّ (عليه السلام)، وكأنّ هناك مَن هو أعلم منه بمصلحة الأمّة؟!

إنّ الطعن في فائدة إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس إلا طعنًا في مشيئة الله وحكمته، ومخالفةً لصريح النصوص النبويّة التي جعلت من ولاية عليٍّ (عليه السلام) امتدادًا لولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا انفكاكَ بين الرسالة والإمامة، ولا استمرارَ للدين إلا بمن جعله الله سبحانه وصيًّا وخليفة وحجّةً على عباده.

ثم إنْ كنتَ تسأل: ما الذي أضافه عليٌّ بعد النبي؟

فإنّ سؤالك هذا يكشف جهلَك بوظيفة الإمامة، ويشي بنظرتك المادّية الضيِّقة التي تفصل الدين عن بُعده الغيبيّ، فالإمامة ليست مجرَّد منصبٍ سياسيّ أو تشريف دنيويّ، بل هي الامتداد الطبيعيّ لخط النبوة، ولا يستقيم الدين إلا بها؛ إذ إنّ الإمام هو الحارس الذي يحفظ الشرع من التحريف، والميزان الذي يحدِّد معالم الحقِّ، والصراط الذي يميِّز الهداية عن الضلال.

ولأنّ الدين لا يُترَك بغير حارسٍ، فلا يمكن لمن يتوهّم إمكانَ ذلك إلا أنْ يكون غافلًا عن النصوص القطعيّة التي نصّ بها النبي (صلى الله عليه وآله) على بقاء الهداية بعده مقرونةً بالكتاب والعترة، فقد جاء في حديث الثقلين ـ المرويّ عن بضعٍ وعشرين صحابيًّا، كما صرّح بذلك ابن حجر الهيتمي في “الصواعق المحرقة” [الصواعق المحرقة، ص136] ـ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ((إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدًا)).

وبما أنّ الضلال لا ينعدم إلا بالتمسُّك بهذين الثقلين معًا، فإنّ افتراض إمكان استقامة الدين بدون إمامة المعصوم لغوٌ يتناقض مع تصريح النبي (صلى الله عليه وآله)، بل هو طعنٌ في حكمته (عزّ وجل) في جعل الهداية مقترنةً بأهل البيت (عليهم السلام). فكما أنّ القرآن هو المصدر التشريعيّ الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنّ العترة الطاهرة هي الميزان الذي تُعرَف به معانيه، وتُحفَظ حدوده من التأويل الفاسد والتحريف.

وفي ضوء ذلك فإنّ السؤال عن فائدة الإمامة لا يَصدر إلا ممن تجاهل هذه الحقائق أو تعامى عنها عمدًا؛ لأن الإمامة ليست أمرًا اجتهاديًّا ولا اختيارًا بشريًّا، بل هي امتدادٌ للنبوة ومقامٌ جعله الله سبحانه حفظًا للدين وصيانةً للشريعة، ومَن يجهل ذلك فهو واقعٌ في الخطأ نفسه الذي وقع فيه الذين استبدلوا الجعل الإلهيّ بالاختيار البشريّ، فوقعوا في تحريف المفاهيم وضياع الأحكام.

والسؤال هنا: هل يُعقَل أنْ يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) الأمة بالتمسُّك بأمرٍ لا فائدة فيه؟ أو أنك تريد دينًا بلا ‏إمام، فتكون كمن يطلب قرآنًا بلا ناطقٍ، أو جسدًا بلا روح؟

وبعد كلِّ ما ذُكر، فإنني أقول: إنك حين تسأل عن فائدة إمامة عليٍّ (عليه السلام)، فإنما تسأل عن فائدة النور في الظلام، وفائدة الصراط في الطريق، وفائدة الميزان في العدل، ولكنّك إنْ لم ترَ النور، فهذه مشكلتك لا مشكلة النور!

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.