تفاصيل المنشور
- المستشكل - أسامة محمد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 78 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم أخوتي الأعزاء ..سمعت محاضرة لبعض المشايخ من أخواننا أهل السنّة يذكر فيها الصفات الخبرية ويقول إنّها صفات حقيقية لله ، فما هو رأي الشيعة الإمامية فيها ؟! جزاكم الله خيراً
المستشكل
سلامة عبد الرحيم
السلام عليكم أخوتي الأعزاء ..سمعت محاضرة لبعض المشايخ من أخواننا أهل السنّة يذكر فيها الصفات الخبرية ويقول إنّها صفات حقيقية لله ، فما هو رأي الشيعة الإمامية فيها ؟! جزاكم الله خيراً
..الأخ أسامة المحترم، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبل ذكر الأقوال في الصفات الخبرية لا بأس بتوضيحها للأخوة المتابعين حتّى تتم الفائدة بشكل متكامل ، فنقول : المتكلّمون عادة يقسّمون الصفات الإلهية إلى قسمين : الصفات الثبوتية ، والصفات السلبية ، و يقسّمون الصفات الثبوتية إلى : ذاتية وفعلية .. لكنّ بعض أهل السنّة من أهل الحديث – أهل السنة ينقسمون على فرقتين : أهل الحديث وهم الذين يقتصرون على الآيات والروايات في الأخذ بعلوم الشريعة ويمثّلهم أحمد بن حنبل وأتباعه والشافعي وأتباعه ومالك وأتباعه ، وأهل الرأي الذين يدخلون مثل القياس في الأخذ بالشريعة ويمثّلهم أبو حنيفة وإتباعه – لهم تقسيم آخر للصفات الإلهية ، وهو تقسيمها إلى : الصفات الذاتية ، والصفات الخبرية .
فما هي الصفات الخبرية ؟!
المراد من الصفات الخبرية هي تلك الظواهر التي أخبر الله سبحانه عنها في كتابه الكريم وأضافها لنفسه ، كاليد ، والعين ، والوجه ، والجنب ، والساق .. ونحو ذلك ، فهذه الظواهر تثبت بالخبر ، ولا طريق للعقل إلى إثباتها ، بخلاف العلم والقدرة والحياة ونحوها من الصفات ، فهذه تثبت بالعقل والنقل معا ، أمّا الصفات المذكورة فلا طريق لإثباتها إلّا من خلال إخبار المولى – سبحانه – عنها ، ولهذا سمّيت بالصفات الخبرية ، لأنّ مدارها على الخبر فقط ، وليس للعقل فيها مجال مطلقاً ، والمراد بالخبر هنا أعمّ من الآية أو الرواية ، بل المقصود أنّ الإثبات يكون من خلال النقل فقط دون العقل .
وهي من قبيل قوله تعالى :
– ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(الفتح ، الآية 10).
– ( مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(سورة ص ، الآية 75) .
– ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ)(سورة القلم ، الآية 42) .
– وقوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(سورة طه ، الآية 5 ) .
وهناك روايات يذكرها أهل السنّة في هذا الجانب أيضاً في كتبهم يثبتون فيها لله تعالى : الصورة ، والإصبع ، و الجلوس على الكرسي ، والهرولة ، و النزول إلى الدنيا ، وأنّه في السماء … و نحو ذلك ، ومن مروياتهم في هذا الجانب ما ورد في صحيح البخاري 6: 33 : (( إنّ الله يجعل السماوات على إصبع والأرضيين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع )) . انتهى
و السؤال المهم الذي يطرح نفسه أمامنا تجاه هذه الصفات التي يصطلح البعض عليها بالصفات الخبرية : : هل لله عزّ وجل أيد فعلا وساق ووجه وأعين وأرجل ، وهو ينزل إلى الدنيا بذاته المقدّسة ، ويجلس على الكرسي ، ويهرول ، وعنده أصابع ، حسب المستفاد من ظواهر هذه الآيات والروايات التي يذكرها أهل السنّة في كتبهم ، أم يوجد لهذه الآيات والروايات تفسير آخر ؟!
الجواب : يوجد في هذا الجانب ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : التأويل
و المراد من التأويل هو : حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر مع احتماله له ( كما جاء معنى التأويل في كتاب الإحكام – للآمدي – 3: 50)
و هناك شرط مهم ذكره العلماء في صحة التأويل وهو أنّه لا يجوز المصير إلى التأويل – ورفع إليد عن ظاهر الآيات و الروايات – إلّا إذا دلّ الدليل على أنّ الظاهر غير مراد . وهذا القول ذهب إليه الشيعة الإمامية ، و المعتزلة ( من فرق أهل السنّة الكلامية ) ، وكثير من الأشاعرة ( وهي فرقة كلامية أخرى من فرق أهل السنّة ، فأهل السنّة كما يفترقون في الفقه إلى مالكية وحنبلية وشافعية وحنفية ، يفترقون في العقائد كذلك إلى : أشاعرة ومعتزلة وماتريدية وسلفية ومتصوفة ) ، فقد ذهبوا إلى تأويل هذه الآيات والروايات و حملوها على غير ظاهرها ؛ لأنَّ ظاهرها يؤدي إلى التشبيه والتجسيم ، وقد دلّت الأدلة القطعية على بطلان التشبيه والتجسيم .
قال الشيخ الصدوق ( أعلى الله مقامه ) في كتابه “الاعتقادات في دين الإمامية”: (( ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصفت في التوحيد فهو كاذب . وكلّ خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلَّس . و الأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيها لله تعالى بخلفه فمعانيها محمولة على ما في القران من نظائرها . لأنّ في القرآن : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، و معنى الوجه : الدين ، و الدين هو الوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه . وفي القرآن : ( َوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) ، و الساق وجه الأمر وشدّته ، وفي القرآن : ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) ، و الجنب : الطاعة ، وفي القران: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) ، و الأيد : القوة ، ومنه قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) ، يعني ذا القوة ، وفي القرآن : (يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، يعني بقدرتي وقوتي …..الخ )) . ( الاعتقادات في دين الأمامية- للشيخ الصدوق- : 5-3)
فمذهب الشيعة الإمامية هو تنزيه المولى- سبحانه و تعالى – عن كلّ نقص وعيب ، والتشبيه و التجسيم هو نقص وعيب ، كما ثبت بالدليل القاطع ، و عليه فهم يحملون هذه الألفاظ الواردة في القرآن الكريم من قبيل : اليد ، والوجه ، والعين ، والساق ، والاستواء على العرش ، ونحوها من الظواهر على معان مجازية ، ويقولون إنّ ظاهرها – أي معناها الحقيقي – غير مراد جزما .
القول الثاني : تفويض المعنى .
ذهب إليه جماعة أخرى من الأشاعرة ، والمراد بالتفويض التسليم وإيكال الأمر إلى الله تعالى ، قال الفخر الرازي – من علماء الأشاعرة – : (( هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد الله منها شيء غير ظواهرها ، كما يجب تفويض معناها إلى الله تعالى ولا يجوز الخوض في تفسيرها )).( أساس التقديس – فخر الدين الرازي – : 223)
فهذه الجماعة – من الأشاعرة – تؤمن بأنَّ الظاهر من هذه الألفاظ غير مراد ، لكنّها تفوّض معناها – أي توكله – إلى الله عز وجل وتقول نجهل المعنى والله أعلم به منّا .
لكنّ الذي يرد على هذا القول : إنّه إثبات للشيء في عين نفيه و سلبه ، بمعنى : اللفظ كما هو معروف له معنيان : حقيقي ومجازي ، فإذا قال أصحاب هذا القول إنّ المعنى الظاهري الحقيقي لهذه الألفاظ غير مراد ، فهم نفوا عنها المعنى الحقيقي ، وقولهم إنّنا لا نعرف لها معنى نتعقلّه ونوكل أمر معناها إلى الله فهذا معناه تفريغ اللفظ عن معناه الحقيقي والمجازي معا ، وهذا إثبات للشيء في عين نفيه وسلبه ، وهو لا يمكن قبوله ، وكأنّه سبحانه يخاطبنا بآيات غير مفهومة ولا يوجد لها معنى البتة ، مع أنّه سبحانه وتعالى يقول بصريح البيان : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )(سورة إبراهيم ، الآية 4) .
و حكمهم على هذه الآيات بأنّها من المتشابهات – كما أشار إليه الرازي في كلامه المتقدّم – لا يشفع لهم في تفويض معناها إلى الله عزّ وجل وغلق باب الأفهام عنها ، فقد صرّح العلماء بإرجاع المتشابه إلى المحكم ، يقول النسفي – من كبار مفسّري أهل السنّة – في تفسير المحكم والمتشابه الوارد في القرآن الكريم وضوابطه : (( ( آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ) أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال و الاشتباه (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها ( وَأُخَرُ ) وآيات أخر (مُتَشَابِهَاتٌ ) متشابهات محتملات ، مثال ذلك : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ، فالاستواء يكون بمعنى الجلوس ، وبمعنى القدرة والاستيلاء ، ولا يجوز الأوّل على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) )).( تفسير النسفي 142:1 )
القول الثالث : تفويض الكيف .
وهو ما يذهب إليه ابن تيمية وأتباعه من الوهابية حيث يثبتون ظواهر هذه الآيات والروايات بمعانيها الحقيقية لكنّهم يفوّضون الكيف ، بمعنى : هم يثبتون لله اليد والوجه والعين ونحوها بمعانيها الحقيقية المتعارفه إلّا أنّهم يقولون نحن نجهل الكيف ولا نعرفه ، لأنّه من المعلوم أنّ لكلّ معنى من هذه المعاني كيفية تكون عليها ، وهم يقولون نحن نجهل هذه الكيفية ونفوض أمرها إلى الله عزّ و جل ، ومن هنا تراهم يردفون قولهم هذا بهذه العبارات : ( لله وجه بلا كيف ) ، و ( لله يد بلا كيف ) ، وهكذا .
يقول ابن تيمية في كتابه (( مجموع الفتاوى )) : (( له يدين بلا كيف كما قال : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، وكما قال : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) ، وله عينين بلا كيف كما قال : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) ، وله وجها كما قال : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) )).(مجموع فتاوى ابن تيمية 174:4)
وجاء عن ابن عثيمين – من السلفية المعاصرين – في “شرح العقيدة الواسطية ” : (( والوجه معناه معلوم ، لكنّ كيفيته مجهولة ، لا نعلم كيف وجه الله عزّ وجل كسائر صفاته )). (شرح العقيدة الواسطية-لابن عثيمين – 1 : 255)
ولكنّ الذي يرد على هذا القول : أنّه يلزم منه التشبيه و التجسيم ؛ لأنَّ حمل هذه الألفاظ على ظاهرها الحقيقي معناه إثبات معانيها الموجودة عند الإنسان وحملها على الخالق سبحانه ، فإنّ اليد في لغة العرب تعني الجارحة ، هذا هو معناها الظاهري الحقيقي ، و كيفيتها عند الإنسان : لها لحم وعظم وعروق وشرايين وأعصاب ، و محدودة طولا وعرضا ، وملصقه بالكتف ، وأصحاب هذا القول يثبتون هذا المعنى الظاهري الحقيقي ( أي يثبتون معنى الجارحة ) لكنّهم يقولون نجهل الكيفية ، ففي موضوع اليد مثلاً هم يقولون توجد لله يد حقيقية لكن هل يده ملصقة بالكتف أو لا ، هل لها لحم وعظم وعروق وشرايين ونحو ذلك ؟ يقولون : هذا كلّه نجهله ولا نعلم به.. فهذا القول – في واقعه – هو تشبيه لله بخلقه في إثبات جزء من الأجزاء وهو اليد .
كما أنّ القول المذكور يفضي إلى التجسم أيضا ، لأنّه إثبات للتبعيض و إثبات للأجزاء والمحدودية في الذات الإلهية ، وهذا هو التجسم بعينه ، و من هنا ردّ هذا القول كثير من علماء أهل السنة أنفسهم . قال ابن حجر في (( فتح الباري )) : (( و قد اختلف في معنى النزول – وهو الحديث الذي يقول إنّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل – على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره و حقيقته ، وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم )).(فتح الباري – لابن حجر العسقلاني – 3: 25)
وجاء عن القاضي عياض قوله : (( فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم )) .(فتح الباري 13: 363)
وقد يقول بعض أصحاب هذا القول : نحن لا نثبت الجارحة لله تعالى بل نثبت له يد تليق بجلاله ؟!
نقول لهم : هذا كلام شعري لا يغني ولا يسمن من جوع ، فأنتم صرّحتم بأنّ المراد من هذه الألفاظ معانيها الظاهرة الحقيقية ، والمعنى الظاهري الحقيقي لليد في لغة العرب هو الجارحة ، فإمّا أن تدّعوا أنّكم تجهلون المعنى فتكونون كأصحاب القول الثاني ( تفويض المعنى ) الذين تصفونهم في كتبكم بأنّهم شرّ من أهل البدع و الإلحاد ( كما يقول ابن تيمية في : درء التعارض 1: 115) ، أو تقعون في التشبيه والتجسيم ، ولا طريق ثالث لكم في البين .
ودمتم سالمين