مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

التقية والعصمة هل يجتمعان في النبي أو الإمام؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

التقية والعصمة لا يجتمعان فالتقية إما سكوت عن حق أو سكوت على باطل وهذا طعن في العصمة الأنبياء، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}.. فالتقية تخالف الكتاب والسنة والآثار المنقولة التي تحث على الصبر عند البلاء والثبات على المبدأ الحق ولو كان أذىً كبيرا.

المستشكل

إبراهيم أبو عبد الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

التقية والعصمة لا يجتمعان فالتقية إما سكوت عن حق أو سكوت على باطل وهذا طعن في العصمة الأنبياء، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}.. فالتقية تخالف الكتاب والسنة والآثار المنقولة التي تحث على الصبر عند البلاء والثبات على المبدأ الحق ولو كان أذىً كبيرا.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إن للتقية أنواعاً بلحاظ أهدافها وغاياتها، النوع الأول التقية الخوفية أو الإكراهية، والنوع الثاني التقية المداراتية أو التحبيبيّة، والنوع الثالث التقيّة الكتمانيّة.
والمقصود من التقية الخوفية أو الإكراهية هو: ما إذا كان الهدف من استخدامها دفع الضرر عند الخوف منه سواء أكان الخوف شخصيّاً أم نوعيّاً، كتقيّة عمّار بن ياسر من المشركين.
وأما التقية المداراتية أو التحبيبيّة: فهي ما إذا كان الهدف منها، هو الحفاظ على وحدة المسلمين، وتقليل شقّة الخلاف فيما بينهم وجمع كلمتهم، كما في أحاديث المخالطة والمعاشرة، وكذلك فيما لو كانت أغراضها اتقاء فحش الآخرين بإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوههم، نظير ما في تقيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قوله: ((بئس ابن العشيرة)) [الموطأ، ج2، ص463]، ((أو بئس أخو العشيرة)) [الكافي، ج2، ص326].
والمقصود من التقيّة الكتمانيّة: ما إذا كان الهدف منها حفظ الدين من الاندثار والإنمحاء في دولة الباطل فيما لو أُذيعت تعاليمه وأحكامه المخالفة لهوى السلطة الظالمة، وعليه لا بدّ من كتمانها إلّا على المختصّين؛ لا سيّما إذا كان أهل الحقّ هم القلّة القليلة المحاطة بزمر الباطل.
ومن هذه التقيّة تقية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عدم إظهار أمر الدعوة إلّا للمختصّين مدّة ثلاث سنوات كما مرّ في محلّه. وكذلك ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من التأكيد على عدم إذاعة أسرارهم (عليهم السلام)، خوفاً على مذهب الحقّ وقادته الأطهار وأنصاره وأتباعه.
ويدخل في هذا القسم من التقيّة ما كانت الغاية منه حفظ بعض المصالح المشروعة بالكتمان، كما فعل مؤمن آل فرعون في كتم إيمانه، وكما كتم يوسف الصدّيق (عليه السلام) أمره عن إخوته. [انظر: التقيّة في الفكر الإسلامي، ص99-117].
وجاء في تفسير الأمثل: ((قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39]، إستفاد جماعة من هذه الآية أنّ التقيّة حرام مطلقاً للأنبياء في تبليغ الرسالة، لأنّ القرآن يقول: {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}. غير أنّه يجب الإنتباه إلى أنّ للتقيّة أنواعاً، ولم تنف الآية في مورد دعوة الأنبياء وإبلاغ الرسالة إلاّ نوعاً واحداً، وهو التقيّة خوفاً، في حين أنّ للتقيّة أنواعاً منها التقيّة مداراةً وتورية.
والمراد من التقيّة المداراتية أن يكتم الإنسان عقيدته أحياناً لجلب محبّة الطرف المقابل ليقوى على إستمالته للتعاون في الأهداف المشتركة.
والمراد من تقيّة «التورية» والإخفاء هو أنّه يجب أن تخفى المقدّمات والخطط للوصول إلى الهدف، فإنّها إن اُفشيت وإنتشرت بين الناس وأصبحت علنية، وأطلع العدوّ عليها فمن الممكن أن يقوم باجهاضها.
إنّ حياة الأنبياء ـ وخاصّة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) ـ مليئة بموارد التقيّة هذه، لأنّا نعلم أنّه (صلى الله عليه وآله) كان كثيراً ما يخفي أهدافه ومقاصده عندما كان يتوجّه إلى ميدان الحرب، وكان يرسم خططه الحربية بخفاء تامّ، وكان يستخدم اُسلوب الإستتار والتخفّي ـ والذي هو نوع من التقيّة ـ في جميع المراحل.
وكان يتّبع أحياناً اُسلوب «المراحل» ـ وهو نوع من التقيّة ـ لبيان حكم ما، فمثلا نرى أنّ مسألة تحريم الربا أو شرب الخمر لم تبيّن في مرحلة واحدة، بل تمت في مراحل متعدّدة بأمر الله سبحانه، أي أنّها تبدأ من المراحل الأبسط والأسهل حتّى تنتهي بالحكم النهائي الأساسي.
وعلى أيّة حال، فإنّ للتقيّة معنىً واسعاً، وهو: (إخفاء الحقائق والواقع للحفاظ على الأهداف من التعرّض للخطر والإنهيار) وهذا الشيء متعارف بين عقلاء العالم، والقادة الربّانيون يفعلون ذلك في بعض المراحل للوصول إلى أهدافهم المقدّسة، كما نقرأ ذلك في قصّة «إبراهيم» (عليه السلام) بطل التوحيد، حيث أخفى هدفه من البقاء في المدينة في اليوم الذي يخرج فيه عبدة الأصنام خارج المدينة لإجراء مراسم العيد ليستغلّ فرصة مناسبة فينهال على الأصنام ويحطّمها.
وكذلك أخفى «مؤمن آل فرعون» إيمانه ليستطيع أن يعيّن موسى (عليه السلام) في اللحظات الحسّاسة وينقذه من القتل، ولهذا السبب ذكر القرآن له تسعة مواقف وصفات عظيمة.
ومن هنا نعلم أنّ التقيّة خوفاً فقط غير جائزة على الأنبياء، لا الأنواع الاُخرى للتقيّة)) [تفسير الأمثل، ج10، ص417-418].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.