تفاصيل المنشور
- المعترض - أمجد الرضوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 12 مشاهدة
تفاصيل المنشور
كثيرٌ من الناس اليوم لديهم اطّلاع واسع، فلماذا يُمنعون من الاستنباط؟ وهل الدِّين حكرٌ على أصحاب العمائم؟!
المعترض
أمجد الرضوي
كثيرٌ من الناس اليوم لديهم اطّلاع واسع، فلماذا يُمنعون من الاستنباط؟ وهل الدِّين حكرٌ على أصحاب العمائم؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ دعوى جواز استنباط الحكم الشرعيّ لكلِّ مَن كان واسعَ الاطّلاع وكثير القراءة، مما لا أصل له في مباني العلم، ولا وجه له في صناعة الاجتهاد، بل هو مصادرةٌ على المطلوب، ومغالطةٌ واضحةٌ في مقام التحقيق.
فإنّ مناط الأهليّة للاستنباط ليس كثرة الاطّلاع بمجرّدها، ولا تعدُّد القراءة بمعزلٍ عن تحقُّق الشروط العلميّة، بل هو حصول ملَكة الاستنباط، وهي ـ كما قرَّره علماء الأصول ـ «صفةٌ ثابتة في النفس يتمكَّن بها الفقيه من استخراج الأحكام الشرعيّة الفرعيّة من أدلَّتها التفصيليّة»؛ وهذه الملَكة ليستْ مما يحصل بمجرَّد المطالعة أو تحصيل المعلومات العامة، بل هي ثمرة الدُّرْبة الطويلة، والممارسة المستوعبة، والتتبُّع الدقيق، والتدرُّج في مراتب العلم، والتخصُّص في مقدِّمات الاستنباط، من معرفة اللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، وأصول الفقه، وعلم الرجال، والدراية، والتفسير، وأمثالها.
وقد أشار إلى هذا الأصل الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: ((اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يُحسِنون من رواياتهم عنّا)) [وسائل الشيعة، ج١٨، ص ١٠٨]، دالًّا على تفاوُت المراتب العلميّة بحسب درجة الإحاطة والدقّة والفهم، لا على تساوي الناس في أهليّة النظر والاستدلال.
فكما لا يُعدُّ كثيرُ القراءة في الطبِّ طبيبًا ما لم يتحقَّق له التخصُّص العمليّ والدراسة المنهجيّة، كذلك لا يُعدُّ كثير القراءة في كتب الفقه والأصول مجتهدًا مؤهَّلًا للاستنباط، ما لم يتحقَّق له المِلاك المعتبَر في هذه الصناعة.
ولو جاز جعْلُ مجرَّد الاطّلاع مناطًا لجواز الاستنباط، لبطلتْ وظيفة الاجتهاد، ولزم التسوية بين العالِم والجاهل، وسقط اعتبارُ الرجوع إلى أهل الخبرة، وهو مما يُخالف ضرورة الشرع والعقل، وقد قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7].
ومِن ثَمَّ، لم يكنِ اختصاصُ الحكم الشرعيّ بأهله حكرًا طائفيًّا أو امتيازًا اجتماعيًّا أو مظهرًا احتكاريًّا، بل هو حكمُ العقل والنقل بحصر الاجتهاد في من استوفى شروطَه، وأحرز أدلّته، وقام بحُجَجه، دفعًا للجهالة، ورفعًا للتقليد الأعمى، وصونًا للشريعة عن العبث والتحريف.
وبهذا يظهر أنّ القول بمنع غير المؤهَّل من الاستنباط ليس منعًا بالمعنى الاعتباطيّ أو التعسُّفي، وإنما هو حكم العلم بمقتضى ضبط التخصُّص، والتزام القواعد، ورعاية الضوابط.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.