تفاصيل المنشور
- المستشكل - زينب مرتضى
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 143 مشاهدة
تفاصيل المنشور
في ليلة العاشر من محرَّم، أذِن الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه بالتخلّي عنه، على رغم أنّه طلب النصرة في يوم العاشر، ونادى قائلًا: “أ لا من ناصرٍ ينصرنا؟! فما جوابكم؟
المستشكل
زينب مرتضى
في ليلة العاشر من محرَّم، أذِن الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه بالتخلّي عنه، على رغم أنّه طلب النصرة في يوم العاشر، ونادى قائلًا: “أ لا من ناصرٍ ينصرنا؟! فما جوابكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان على علمٍ تامٍّ بأنّ معركته مع أعدائه لا تتعلق بالنواحي المادية، إذ لم يكن التفوُّق من ناحية العدد لصالحه بأيِّ حالٍ من الأحوال، فكيف يمكن أن يواجه سبعون شخصًا فقط من أنصاره جيشًا يبلغ عدده ثلاثين ألفًا على الأقل، كما ذكرت الروايات الموثوقة؟!
إن المعركة التي خاضها الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كانت معركة في البعد المعنويِّ والروحيِّ. وقد عبّر (عليه السلام) عن ذلك عندما قال لبني هاشم الذين بقوا في المدينة قبل أن يتوجه إلى كربلاء: ((من لحِق بي منكم استشهد، ومن تخلَّف عني لم يبلغ الفتح)) [بصائر الدرجات، ص502]. يعني هنا الفتح الروحيّ والانتصار الذي سيكتسبه باستشهاده وتضحيته وصموده ضد الظلم والاضطهاد، وهو الذي سيبقى حيًّا في قلوب المؤمنين، ويترجَم بقوة المعنى في التاريخ والثقافة والفكر للأجيال اللاحقة.
ومن هذا المنطلق كان الإمام الحسين (عليه السلام) حريصًا جدًّا على أنْ يكون له أنصارٌ يملكون قلوبًا كزُبَر الحديد، يُذهلون الدنيا بصمودهم وولائهم. وأنْ يكونوا قدوةً للأبطال والثائرين على مر الزمن. وأنّ أيّ ضعفٍ أو جبن أو تخاذلٍ في يوم العاشر سيفسد خطته المحكمة التي أعدّها.
لذلك، سمح لأصحابه بالتخلي عنه ليلة العاشر من المحرم؛ لأن المواجهة تتطلب رجالًا من نوعٍ خاصٍّ. ومن كان يجد في نفسه القدرة على المشاركة في القتال، فإنه سيظل معه حتمًا، ولن يتخلى عن إمامه الحسين (عليه السلام)، وأما من يشعر بالضعف وعدم القدرة على المقاومة، فإنه سينسحب، وبذلك لن يضرَّ الثورة بضعفه في ساحة الحرب.
باختصارٍ، كان الإمام الحسين (عليه السلام) يُدرك قوة أثر الأبطال والمقاتلين في إحداث التغيير والثورة، ولهذا السبب منح حرية الاختيار لأصحابه للمشاركة في المعركة على وفق قدراتهم واستعداداتهم.
وبعد أن قامت الثورة بوظيفتها في التصدّي والصمود في يوم العاشر، وقدمت التضحيات والشهداء في نصرة الدين، أصبح الموقف المعنويُّ لجبهة الإمام الحسين (عليه السلام) قويًّا جدًّا. وبهذا الوضع المستقرّ، لم يكن الإمام (عليه السلام) يخشى من انهيار ثورته، وطلبه (عليه السلام) للنصرة في هذا التوقيت ـ وهو اليوم العاشر ـ يفهم منه عدة أمور:
«الأمر الأول: طلب الناصر ممن يُولد، ويوجد خلال الأجيال، ليكون محبًّا للحسين (عليه السلام)، سائرًا في طريقه، مضحيًّا في سبيل دينه بمقدارِ ما يقتضيه حاله، وكلُّ من كان كذلك ـ في أي زمان ومكان ـ فقد أجاب الحسين عليه السلام للنصرة.
الأمر الثاني: طلب الناصر من البشر الموجودين في ذلك العصر، وتذكيرهم بمسؤوليتهم الكبرى المباشرة في الذبِّ عن إمامهم المعصوم (عليه السلام) أمام الله عز وجل، وذلك يكون موازيًا لمضمون ما ورد من أنّ: «من سمع واعيتنا، ولم ينصرنا أكبّه الله على منخريه في النار».
الأمر الثالث: طلب الناصر من الجيش المعادي الواقف أمامه في ذلك الحين؛ وذلك لنتيجتين: لأنهم كلهم حين يسمعون ذلك، فإما أن يستجيب منهم أحدٌ أو لا، فإنْ لم يستجب كان هذا النداء حجة عليه وقهرًا له في الآخرة، وتركيزًا لوجوب عقابه، وإنِ استجاب بعضهم كان ذلك النداء رحمةً له وسببًا لتوبته وهدايته، كما تاب الحرُّ الرياحيُّ رضوان الله عليه ساعتئذ، وأثر هذا النداء في نفسه تأثيره الصحيح». [أضواء على ثورة الحسين عليه السلام، ص120-121].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.