مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) بين المحنة الإلهيّة والتمكين الأُخرويّ

تفاصيل المنشور

المغالطة

استطاع عليٌّ رضي الله عنه أنْ يُرجِع الشمس، ولم يستطع ارجاع جيش خالِ المؤمنين معاوية، ما أعظمك يا خال!!

المغالط

باهر النجار

تفاصيل المنشور

المغالطة

استطاع عليٌّ رضي الله عنه أنْ يُرجِع الشمس، ولم يستطع ارجاع جيش خالِ المؤمنين معاوية، ما أعظمك يا خال!!

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

هذه مغالطةٌ مكشوفةٌ لا تنطلي إلّا على مَن لم يدرك الفرق بين الفعل الإلهيّ والفعل البشريّ، وبين الحجّة الإلهيّة وسُنن الابتلاء والاختبار.

فحين يُقال: إنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) استطاع أنْ يُرجع الشمس، لكنه لم يستطعْ إرجاع جيش معاوية، فهذه مقارنةٌ باطلةٌ تنطلق من الجهل بحقيقة المعجِزة وحقيقة الإمامة.

المعجزة – في عقيدتنا – ليست فعلًا بشريًّا عاديًّا، بل هي فعلٌ إلهيٌّ يُجريه اللهُ عزّ وجلّ على يد وليِّه، وهي لا ترتبط بالإرادة البشريّة المعتادة، وإنما تكون حين تقتضي الحكمةُ الإلهيّة إظهار الحجّة.. وإرجاع الشمس للإمام عليٍّ (عليه السلام) كان تأييدًا إلهيًّا لمقامه، كما كانتْ معجزات الأنبياء إثباتًا لنبوَّتهم، فهي ليستْ خاضعة لقوانين الإرادة البشريّة أو التخطيط السياسيّ.

أما قضيّة عدم إرجاع جيش معاوية فهي ليستْ مسألةَ قدرةٍ شخصيّة، بل مسألة سُننٍ إلهيّة جارية في خَلقه، فالإمامة ليستْ مقامًا لفرض السلطة بالقوة الجبريّة، بل هي مقام الهداية الإلهيّة، ومِن سُنن الله سبحانه في خلقه أنْ يبتلي العباد بالاختيار.. فكما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يُجبِر قريشًا على الإيمان على رغم المعجزات الباهرة، والنبي نوحًا (عليه السلام) لم يُجبر قومه على ركوب السفينة على رغم تحذيراته، كذلك الإمام عليٌّ (عليه السلام) لم يكن ليجبِر الأمة على الطاعة؛ لأنه قائمٌ بمقتضى الحكمة الإلهيّة لا بمقتضى منطق الجبر والقهر.

إنما المشكلة كانتْ في إرادة الأمة التي خانت بيعتها، وانحرفت عن الحقِّ، وهذا ما عبّر عنه الإمام (عليه السلام) بقوله: ((لا رأيَ لمن لا يُطاع)) [نهج البلاغة، ج1، ص70]، فالمشكلة لم تكن في عدم القدرة، بل في رفض الناس للحقِّ على رغم وضوحه، كما رفضت الأُمَم السابقة أنبياءها على رغم ما أيَّدهم الله تعالى به من آياتٍ ومعجزات.

فما كان لمعاوية أنْ ينتصر إلا بسبب خيانة القوم وتخاذُلهم، وما كان للإمام عليٍّ (عليه السلام) أنْ يستخدم الإكراه؛ لأن الدين لا يُفرَض بالقوة.

فهذه المغالطة لا تعدو كونها صدًى لمنطق بني أميّة الذين أرادوا قلب الحقائق، فأظهروا الهزيمة العسكريّة كأنها ضَعفٌ في الحجّة، بينما هي في حقيقتها نتيجةٌ طبيعيّة لانحراف الأمة واتِّباعها الهوى، كما بيَّن القرآن الكريم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} [الأنعام:116].

أما بالنسبة لعبارة “خال المؤمنين!” فهي ليست إلا لقبًا زائفًا يُراد منه إعطاء فضيلةٍ لمعاوية بن أبي سفيان من حيث النسب، في حين أنّ الفضائل لا تُكتسب بالقرابة الدنيويّة، بل بالإيمان والعمل الصالح.

فإذا كان معاوية خال المؤمنين؛ لأنه أخٌ لأمِّ المؤمنين أم حبيبة، فهذا لا يعني له أيّ امتيازٍ شرعيّ أو فضيلةٍ دينيّة، إذ لم يجعل الله عزّ وجلّ القرابة معيارًا للتقوى ولا وسيلةً للنجاة، وإلّا لكان أبو لهب عمَّ النبي أولى بالفضل، لكنه في الواقع {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}. ولم تكن قرابة ابنِ نوح له شفاعةً حين قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46].

ثم إنّ لقب “خال المؤمنين” ليس لقبًا شرعيًّا جاء به القرآن أو السُّنة النبويّة، وإنما هو لقبٌ سياسيٌّ ابتدعته السلطة الأمويّة لغرض الترويج لمكانة معاوية، وإلّا فإنّ مجرَّد النسب لا يُضفي أيَّ قداسة؛ لأن الفضائل لا تُكتسب بالألقاب، بل بالأعمال.

أما إنْ كان يقصد المغالط أنّ معاوية كان أعظم من أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) لأنه انتصر عسكريًّا، فهذا لا يدلّ على فضلٍ؛ لأن النصر العسكري قد يكون حجّةً على الضلال لا على الهداية، وإلا لوجب القول: إنّ التتار والمغول والاحتلالات الصليبيّة كانوا أهل حقٍّ؛ لأنهم انتصروا في بعض المعارك!

إنما كان انتصار معاوية نتيجة الغدر والخداع، حتى أنه نفسه لم يدّعِ أنه أحقّ بالخلافة لفضيلة دينية، بل قالها صراحةً: ((إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم كارهون)). [مصنف ابن أبي شيبة، ج6، ص187، تـ. الحوت].

فالحقيقة واضحةٌ لكل مَن لم يُعمِ عينيه التعصُّب، وإنما المغالطة في هذا القول ليست إلا دعايةً أمويّةً قديمة، لا تزال تُرددها الألسُن بلا وعيٍ ولا تدبّر.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.