تفاصيل المنشور
- المستشكل - علماني
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 17 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الاعتقاد الديني “دوغمائي” فهو يمتلك طبيعة تقييدية، تمنع الفرد من ممارسة ثقافة السؤال، وتغلق نوافذ الاستفسار والتساؤل أمامه. يعمل الاعتقاد الدوغمائي على إيقاف وتقييد تفرع الأفكار والاحتفاظ بها في حدود ضيقة، مما يحرم الفرد من استكشاف آفاق المعرفة والتفكير العميق. وفي المقابل، يتسم الاعتقاد الديني القائم على الغيبيات واليقين بالانفتاح على تلك الأسئلة المثيرة للحيرة والشك، فهو يشجع على التساؤل والتحقيق، ويعكس الرغبة في استكشاف المعرفة وتوسيع المدارك الفكرية. ويعدّ الاعتقاد الديني القائم على اليقين نقيضًا للشك والتساؤل، حيث يسعى لتعزيز الثقة المطلقة والقناعة القاطعة بدون اعتراض أو استجواب.
المستشكل
علماني
الاعتقاد الديني “دوغمائي” فهو يمتلك طبيعة تقييدية، تمنع الفرد من ممارسة ثقافة السؤال، وتغلق نوافذ الاستفسار والتساؤل أمامه. يعمل الاعتقاد الدوغمائي على إيقاف وتقييد تفرع الأفكار والاحتفاظ بها في حدود ضيقة، مما يحرم الفرد من استكشاف آفاق المعرفة والتفكير العميق. وفي المقابل، يتسم الاعتقاد الديني القائم على الغيبيات واليقين بالانفتاح على تلك الأسئلة المثيرة للحيرة والشك، فهو يشجع على التساؤل والتحقيق، ويعكس الرغبة في استكشاف المعرفة وتوسيع المدارك الفكرية. ويعدّ الاعتقاد الديني القائم على اليقين نقيضًا للشك والتساؤل، حيث يسعى لتعزيز الثقة المطلقة والقناعة القاطعة بدون اعتراض أو استجواب.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
يُستخدم مصطلح الدوغمائية اجتماعيًّا وسياسيًّا لوصف المناهج والأساليب الفكرية المتشددة والمتحجِّرة التي تتجاهل المنطق والعقلانية. إن مصطلح “الدوغمائية” مصطلح معاصر يبثّ دلالة سلبية ظلامية، وصار استعمالُه شائعًا في وصف الروح المنغلقة في مقابل الروح المنفتحة على فكرة تعدد الحلول لإشكالٍ ما.
جاء في موسوعة لالاند الفلسفية بأن “الدوغمائية”: ((حيلة فكرية مخاتلة قائمة على تأكيد المرء لمعتقداته بأمر وسلطان, ودون القبول بأنها قد تحتمل شيئًا من النقص أو الخطأ)) [موسوعة لالاند الفلسفية، أندريه لالاند، ج1، ص297]. أي أن الدوغمائية تعد حيلة فكرية، تمكِّن الفرد من تأكيد معتقداته دون أن يقبل أي نقد أو اعتراف بالنقص أو الخطأ المحتمل فيها.
وصَف المفكر الأمريكي ميلتون روكيش العقلية الدوغمائية بأنها تقوم على ثنائية ضدية حادة. تتصل العقلية الدوغمائية بشدة وصرامة بمجموعة من المبادئ العقَدية، وفي الوقت نفسه تنكر، وتتجاهل بشدة مجموعة أخرى من العقائد. وفي رأيها، تصبح هذه العقائد بلا معنى وغير مفيدة، وتُستبعد تمامًا عن التفكير، ومع مرور الزمن والأجيال، تتراكم، وتظهر على نحوِ تصورٍ لا يتمتع به أي مفكر. ويعدّ محمد أركون من متبنّي مصطلح الدوغمائية ومتعاطيه، وغالى في استعماله بشدة لوصف الإيمان والمؤمنين ذوي العقيدة المتشددة، إلى جانب جملة من المصطلحات الغريبة الأخرى. [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، ص5].
يستخدم محمد أركون ـ الذي يعدُّ نفسه من العلمانيين والحداثيين والعقلانيين ـ هذا المصطلح وغيره في سياق هجومه العدائي ضد الإسلام، ويصف علماء المسلمين بأنهم مسجونون داخل السياج الدوغمائي.
ومن التحليل المتقدم، يتبين أن الدوغمائية ليست مجرد مشكلة معرفية، بل هي في الأساس مشكلة نفسية. فالنفس البشرية هي التي تتحمل المسؤولية عن التعصب وعدم قبول الآخر، بينما يوجه الإسلام النصيحة بالانفتاح المستمر على العلم والمعرفة، كما جاء في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها)) [الجامع الصغير، للسيوطي، ج٢، ص٣٠٢]، وقول الإمام علي (عليه السلام): ((الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق)) [نهج البلاغة، قصار الكلمات، خ:80]، بل فلسفة الإسلام ترتكز أساسًا على محاربة التعصب والانغلاق، وترفض الأفكار الصلبة التي تقيّد العقل، وتحجبه، قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [سورة الأعراف:157].
تتضح من النص السابق معرفة الدوغمائية على أنها مشكلة نفسية أكثر من كونها مشكلة معرفية، حيث تستند إلى التصورات والمعتقدات المتشدِّدة، وتعترض على الانفتاح والتعلم. وفي المقابل، تحث القيم الإسلامية على التسامح والتعايش والسعي للحكمة والمعرفة، وتحث على كسر القيود والأغلال التي تعيق النمو الفكري والروحي.
ومن حيث العقيدة، فإنها تستند أساسًا إلى البحث والنظر، ولا يجوز فيها التقليد الأعمى، بل يجب فيها تحصيل العلم من الأدلة والبراهين. وبهذا يصبح الإسلام أبعد ما يكون عن الدوغمائية، حيث لا يقيد العقول، وإنما يحث الناس على البحث والاستدلال. ومع ذلك، توجد تيارات داخل الوسط الإسلامي تعتمد منظورًا دوغمائيًّا، مثل التيارات السلفية التي لا تقبل من يخالفها في الرأي، ولا تقبل الأبحاث العلمية. وهذا يعني أن الفكر الإسلامي في إطار المنظور السلفي يمثل حركة اجتماعية نفسية، تتكون، وتتعزز في محيط المجموعة الواحدة. بمعنى أن الدوغمائية تكتسب قوتها، وتعزز وجودها في البيئة التي يتشارك فيها أفراد مجموعة واحدة. فعندما تتكوَّن مجموعة من الأفراد الذين يتبنون أفكارًا متشابهة، ويتعاملون بالنهج الدوغمائي نفسه، تتعزَّز هذه الفكرة، وتترعرع في ذلك المحيط.
أما الإسلام فإنه يرفض الدوغمائية، ويشجع على الاستفسار والتساؤل. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]. وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((العلم خزائن، ومفتاحها السؤال، فاسألوا رحمكم الله، فإنما يؤجر في العلم ثلاثة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم)) [بحار الأنوار، ج1، ص197].
وبناءً على ذلك، فمن غير الصحيح اتهام الإسلام بالدوغمائية؛ لأن الدين الإسلامي يؤكد على ضرورة الاستفسار والتساؤل، ويحث المسلمين على السعي للمعرفة واكتساب العلم، هذا لأنه يُعَظِّم قيمة العلم والتعلُّم، ويعدّها أساسًا قويًّا في تطوير الفرد والمجتمع.
والنتيجة: أن الإسلام يرفض الدوغمائية، ويشجع على الاستفسار والتساؤل، ويحث المسلمين على اكتساب المعرفة والعلم، ويعدُّ العلم والتعلُّم أساسًا قويًّا في الدين الإسلامي. فالدوغمائية تعتمد على التصورات المتشددة، وتحجب النقاش والتعلم؛ ولذلك لا يمكن اتهام الإسلام بالدوغمائية. فينبغي فهم الإسلام على أنه دين يحث على الانفتاح والتسامح، ويعزز قيم الاستكشاف والاستدلال العقلي.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.