تفاصيل المنشور
- السائل - مرتضى أبو ملك
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 9 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل اعترف علماء أهل السُّنّة بالإجماع على أعلَميّة أمير المؤمنين عليٍّ بن أبي طالب (عليه السلام) على سائر الصحابة؟
السائل
مرتضى أبو ملك
هل اعترف علماء أهل السُّنّة بالإجماع على أعلَميّة أمير المؤمنين عليٍّ بن أبي طالب (عليه السلام) على سائر الصحابة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
لقد أقرّ علماءُ أهل السُّنّة ـ على رغم ما عندهم من تحفّظات ـ بأعلميّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على سائر الصحابة، بل صرّح بذلك غيرُ واحدٍ من كبار علمائهم، ومنهم القاضي الإيجي في كتابه المواقف، حيث قال: ((وعليٌّ أعلمُ الصحابةِ؛ لأنَّه كان في غايةِ الذكاءِ والحرصِ على التعلُّمِ، ومحمّدٌ صلّى الله عليه وسلم أعلمُ الناسِ وأحرَصُهُم على إرشادِه، وكان في صِغَرِه في حِجرِه، وفي كِبَرِه خَتَناً له يَدخُلُ عليه كلَّ وقتٍ، وذلك يقتضي بُلُوغَه في العلمِ كلَّ مبلَغٍ. وأمّا أبو بكرٍ فاتَّصلَ بخِدمتِه في كِبَرِه، وكان يَصِلُ إليه في اليومِ مرّةً أو مرّتَين”. [المواقف، ج3، ص627].
وقد استدلّ القاضي الإيجي بأحاديثَ صحيحةٍ، منها قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): “أقضاكم عليٌّ”، وهو حديثٌ صحَّحه الألبانيّ في صحيح ابن ماجة [صحيح ابن ماجة، ج9، ص34]، وصحيح الجامع الصغير [صحيح الجامع الصغير، ج1، ص211]، وسلسلة الأحاديث الصحيحة [سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم:1224].
وهذا الحديث نصٌّ في أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلمُ الصحابة؛ لأنّ القضاء يتطلَّبُ الإحاطةَ بجميعِ العلومِ، فهو عِلمٌ لا يقوم به إلّا من كان عارفًا بدقائقِ الشريعةِ وأحكامِها، ولا يُعارضُ هذا الحديثَ ما وردَ في حقِّ غيره كـ”أفرضكم زيدٌ، وأقرؤكم أُبَيٌّ”؛ لأنّ الفقه أشملُ وأعلى من الجزئيّاتِ الفرضيّة أو القراءات.
وقد شهِدَ بهذا أيضًا عمرُ بن الخطّابِ عندما قال: ((أقضَانَا عليٌّ))، كما أخرجه البخاري في صحيحه (صحيح البخاري، ج5، ص149]. وقال المناوي في “فيض القدير”: ((وأقضَاهم عليٌّ، أي أعرَفُهم بالقضاءِ بأحكامِ الشرعِ، ومعلومٌ أنَّ العلمَ هو مادَّةُ القضاءِ… وأخبارُهُ في هذا البابِ مع عمرَ وغيرِه لا تُحصى)). [فيض القدير، ج1، ص588]
بل بلغ الأمر أنّ عمر بن الخطّاب كان يعترفُ صراحةً بأنّ عليًّا (عليه السلام) هو الملجأ في القضاء، فقال: ((لولا عليٌّ لهلكَ عمرُ)). [الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ج3، ص1103].
وقد سجّل التأريخ أنَّ الإمام (عليه السلام) كان بحرًا زاخرًا في مختلفِ العلوم، فقد قال (عليه السلام): ((لو كُسِرت لي الوسادةُ، ثم جلستُ عليها لقضيتُ بين أهلِ التوراةِ بتوراتِهم، وبين أهلِ الإنجيلِ بإنجيلِهم، وبين أهلِ الزبورِ بزبورِهم، وبينَ أهلِ الفُرقانِ بفرقانِهم. واللهِ، ما من آيةٍ نزلتْ في برٍّ أو بحرٍ أو سهلٍ أو جبلٍ أو ليلٍ أو نهارٍ إلّا وأنا أعلمُ في من نزلتْ، وفي أيِّ شيءٍ نزلتْ)). [تفسير الثعلبي، ج14، ص336].
وعليه، فإنّ شهادة هؤلاء العلماء، على رغم كونهم من أهل الخلاف، ولكنّ شهادتهم إقرارٌ واضحٌ بأعلميّة أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر الصحابة، وهذا الأمرُ لا غرابةَ فيه، فكيف يُقاسُ بحرُ العلمِ بمن هو دونه؟ وكيف يُقارَنُ مَن تربّى في حجرِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وامتلأ قلبُه علمًا وحكمةً بمن لم يكن له تلك المنزلة؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.