مركز الدليل العقائدي

الأمن والإيمان لمن أحبَّ عليًّا (عليه السلام)

المستشكل = أنوار البطاينة
الاستشكال = لماذا علينا أن نحبَّ عليًّا (رضي الله عنه) ونترك حبَّ أبي بكر‏(رضي الله عنه وأرضاه) الذي أوصى ‏بحبه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما أوصى بحبِّ عليٍّ، بل أبو بكر وعمر وعثمان أولى من عليٍّ بالحبِّ، ولا ينكر هذا إلا مَن أعمى الله بصرَه وبصيرته.

الجواب:

‏بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..‏
عندما نبحث عن سبب تأثُّرنا بشخصيةٍ فريدةٍ في المجتمع، نجد أنّ هناك عدة عوامل قد تكون مسؤولةً عن ذلك. تشمل هذه العواملُ الجوانبَ الروحية والسلوكية والثقافية، فالإنسان بطبعه ينجذب إلى حبِّ الكمال والفضيلة، ويميل نحو الصدق والشجاعة والأمانة وغيرها من الصفات الحميدة. ومن الطبيعيِّ أنْ ينفر من النقص والكذب والخيانة وكل صفةٍ سلبية. فتتأثر النفوسُ بشخصيةٍ فريدة تتميز بتلك الصفات الإيجابية، مما يجعلُها تستحوذ على الانتباه، وتثير الانجذاب.
ومن بين الشخصيات الإسلامية الفريدة التي تجمع بين كلِّ هذه الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق هو الإمام عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إنه شخصيةٌ استثنائية وفريدة في التاريخ، لم تنجبِ الدنيا نظيرًا له، حيث جسَّد في تصرُّفاته وأقواله أعلى قِيَم الصِّدق والشجاعة والعدل والأمانة.
كان (عليه السلام) مصدرَ إلهامٍ للناس، تجلَّت في حركاته وسكناته أخلاقُه الرفيعة. انجذب الناس إلى شخصية الإمام (عليه السلام) بفعل تأثيره الروحيِّ والخُلقي العميق وقدرته على تحفيز الآخرين وإلهامهم.
لذا، فإن تأثير الإمام عليٍّ (عليه السلام) كان متعدِّد الأبعاد، حيث تأثرتِ النفوس بجمال روحه ومكارم أخلاقه وأفعاله الحميدة. كانت شخصيَّته الفريدة تجذب الناس، وتُلهمهم لاتّباع القِيم الخُلقية السامية التي يمثِّلها.
وبوصفه (عليه السلام) إمام الأمة الإسلامية والخليفة الشرعيَّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مارس عملًا حاسمًا في توجيه المجتمع وتعليمه القِيم الروحية والخُلقية. تميزت شخصيته العظيمة بالتواضع، والعطاء، والتفاني في خدمة الإسلام والمسلمين. وكانت حكمته وفكره العميق يعكسان رؤيةً فريدةً عن الحياة والإنسانية.
وقد شهد علماء الإسلام بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم أنّ عليًّا (عليه السلام) كان أكثر الصحابة علمًا، وأعظمهم في الفضائل، وأعدلهم في القضايا، وأقضاهم في النزاعات، وأبلغهم في الحكمة، وأحكمهم في القضايا الشرعية.
فقد جاء في كتاب “المواقف” للإيجي، ما نصّه: ((وعليٌّ أعلم الصحابة؛ لأنّه كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم، ومحمّدٌ صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأحرصهم على إرشاده، وكان في صِغره في حِجره، وفي كِبره خِتنًا له، يدخل عليه كلّ وقت، وذلك يقتضي بلوغه في العلم كلّ مبلغ، وأمّا أبو بكرٍ فاتصل بخدمته في كِبره، وكان يصل إليه في اليوم مرّةً أو مرّتين، ولقوله صلى الله عليه وسلم (أقضاكم علي)، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم، فلا يعارضه نحو (أفرضكم زيد، وأقرؤكم أُبيّ). ولقوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}، وأكثر المفسِّرين على أنّه عليٌّ. ولأنّه نهى عمرَ عن رجْم من وَلَدتْ لستة أشهر وعن رجم الحاملة، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر، ولقول عليٍّ: «لو كُسِرت ليَ الوسادة، ثمَّ جلستُ عليها لقضيتُ بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزَّبور بزَبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم، واللهِ ما من آيةٍ نزلت في برٍّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلّا وأنا أعلم في مَن نزلتْ، وفي أيّ شيءٍ نزلتْ». ولأنَّ عليًّا ذَكر في خطبته من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر ما لم يقع مثله في كلام الصحابة، ولأنَّ جميع الفرق ينتسبون إليه في الأصول والفروع. وكذا المتصوِّفة في علم تصفية الباطن. وابن عباس رئيس المفسرين تلميذه. وكان في الفقه والفصاحة في الدرجة القصوى. وعلمُ النحو إنّما ظهر منه، وهو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بتدوينه. وكذا علم الشجاعة وممارسة الأسلحة، وكذا علم الفتوّة والأخلاق)) [المواقف، للإيجي، ج3، ص627].
وعلى الجانب الآخر، تتجنّبُ النفسُ، وتنفر نفورًا شديدًا من الصفات الرذيلة والسلوكيات السيئة، وهو ما يعكس بوضوحٍ طبيعتها في رفْض كلِّ ما يتعارض مع القِيم الفاضلة والأخلاق النبيلة العالية، وفي هذا السياق، نحاول إيجاد فضيلةٍ واحدة على الأقل للخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان)، تدعم فرضية حبّ الصحابة، لا سيما الثلاثة المذكورين.
إن أحاديث مناقب الصحابة الموجودة في كتب الحديث والسيرة ليس لها أصل، بل وضعها الأمويون حقدًا وكرهًا لأهل البيت (عليهم السلام) لصدِّ المسلمين عنهم، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ((فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليةً القرّاء المراؤون والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضِّياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها، وروَوها، وهم يظنون أنها حقٌّ، ولو علموا أنها باطلةٌ لما روَوها، ولا تديَّنوا بها» [شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج11، ص45 – 46].
وأكّد الجاحظ والسيوطي أنّ الأحاديث الواردة في مدح أبي بكر من الموضوعات. [يُنظر: العثمانية، للجاحظ، ص23؛ اللآلئ المصنوعة، للسيوطي، ج1، ص186 – 302].
وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى الأمصار لتدوين الأحاديث الموضوعة في فضل عثمان بن عفان قائلًا: ((أنِ انظروا مَن قِبَلكم مِن شيعة عثمان ومحبّيه وأهل بيته، والذين يروُون فضائله ومناقبه، فأَدنوا مجالسهم، وقرِّبوهم، وأكرموهم.
ثم كتب معاوية إلى عُمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر، وفشا في كلِّ مصرٍ وفي كل وجهٍ وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبرًا من المسلمين في أبي ترابٍ إلا وأتوني بمُناقضٍ له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي ترابٍ وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان)) [النصائح الكافية، ص97 – 98].
وأكد الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب قاموس اللغة في كتابه “سفر السعادة” أن فضائل أبي بكرٍ تشهد بكذبها بديهة العقل، قائلًا: ((إن ما ورد في فضائل أبي بكر، فهي من المفترَيات التي تشهد بديهة العقل بكذبه)) [سفر السعادة، للفيروز آبادي، ص247].
وصرح العجلوني في كتابه “كشف الخفاء”، بوضوحٍ لا لبْس فيه، قائلًا: ((وباب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات)) [كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج2، ص419].
هذا، ومن الأسباب التي تحثّ المسلمين وتحضّهم على حبِّ عليٍّ (عليه السلام) – علاوة على ما ذكرناه في مقدمة الجواب – ما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((من أحبَّ عليًّا ‏محياه ‏ومماته، كَتب اللهُ تعالى له الأمن والإيمان ‌ما ‌طلعتِ ‌الشمس، ‌وما ‌غربت، ومَن أبغض عليًّا ‏محياه ‏ومماته فميتته جاهلية، وحوسب بما أحدث في الإسلام، أخرجه أبو موسى)). [أسد الغابة ‏في ‏معرفة الصحابة، لابن الأثير، ج4، ص696، ط. الفكر]‏
ومنها أنه (عليه السلام) كان تامَّ الاتّباع لله ورسوله بالاتفاق، وتوفي رسول الله‏ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏ وهو راضٍ عنه، قال ابن حجر في الفتح: ((‌في ‌الحديثين ‌أن ‌عليًّا يحب اللهَ ورسوله، ويحبه اللهُ ورسوله، ‏أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلمٍ يشترك مع عليٍّ في مطلق هذه الصفة، وفي الحديث ‏تلميحٌ لقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله) فكأنه أشار إلى أنّ عليًّا تامُّ الاتّباع ‏لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفةِ محبة الله له؛ ولهذا كانت محبته علامةَ ‏الإيمان، وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلمٌ من حديث عليٍّ نفسه، قال: والذي فلق الحبة، وبرأ ‏النسمة إنه لعهدُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا يُحبَّك إلا مؤمنٌ، ولا يبغضك إلا منافقٌ، وله شاهدٌ ‏من حديث أمِّ سلمة عند أحمد. ثالثها: حديث سهلِ بن سعد أيضًا، وقال عمر: توفي رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم، وهو عنه راضٍ))‏‏ [فتح الباري، لابن حجر، ج7، ص72]. ‏
ويُؤكد الزرقاني أنّ عليًّا (عليه السلام) كان تامَّ الاتّباع حتى وصفه النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ بصفةِ محبة الله، وكانت ‏محبته علامةً للإيمان وبغضه علامة للنفاق، فيقول في شرحه على “المواهب اللدنّية”: ((إن عليًّا تامُّ الاتّباع له صلى ‏الله عليه وسلم حتى وصفه بصفة محبة الله، ولذا كانت محبته علامةَ الإيمان وبغضه علامة ‏النفاق)) [شرح الزرقاني على المواهب اللدنّية بالمِنح المحمدية، ج3، ص256].‏
وروى أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أحبّني فليحبَّ عليًّا)).[مسند أحمد، ج5، ص366؛ صحيح مسلم، كتاب الفتن، ص119].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.