تفاصيل المنشور
- المستشكل - جواد الميالي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 20 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم ورحمة الله.. ورد في القرآن الكريم آية استوقفتني كثيراً، وهي قوله تعالى عن المسجد الحرام: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، فهذه الآية جملة خبرية والخبر كما هو معلوم يحتمل الصدق والكذب، وهذه الآية اخبار منه تعالى عن أمْنِ مَن يدخلون المسجد الحرام، ولكن ما فعله القرامطة من غزو للمسجد الحرام، وقتل للحجاج، ونهب للحجر الأسود؛ وما فعله الحجاج بن يوسف حين قام بوضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله، وغيرها من احداث، يخالف ما جاء في اخبار الله جل وعلا من أن المسجد امانا لمن دخله!!
المستشكل
جواد الميالي
السلام عليكم ورحمة الله.. ورد في القرآن الكريم آية استوقفتني كثيراً، وهي قوله تعالى عن المسجد الحرام: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، فهذه الآية جملة خبرية والخبر كما هو معلوم يحتمل الصدق والكذب، وهذه الآية اخبار منه تعالى عن أمْنِ مَن يدخلون المسجد الحرام، ولكن ما فعله القرامطة من غزو للمسجد الحرام، وقتل للحجاج، ونهب للحجر الأسود؛ وما فعله الحجاج بن يوسف حين قام بوضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله، وغيرها من احداث، يخالف ما جاء في اخبار الله جل وعلا من أن المسجد امانا لمن دخله!!
الأخ جواد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أولاً: إنّ الجملة في اللغة العربية اما خبرية أو انشائية، والجملة الخبريّة هي التي تحمل خبراً يحتمل الصدق والكذب في ذاته بصرف النظر عن قائله، نحو قولك اشرقت الشمس، والجملة الإنشائيّة عكسها، وهي الجملة التي تتضمّن كلاماً لا يحتمل الصدق أو الكذب لذاته، كالاستفهام والدعاء والأمر والنهي.
والأصل أن تكون لكل جملة – خبرية كانت أم إنشائية – دلالتهما الخاصة بها، والتي لا تتداخل مع غيرها في المعني الوظيفي، ولكن هنالك بعض المواضع التي تسمح بها اللغة، حيث يُعبَّر عن الإنشاء بصورة الجملة الخبرية، والعكس بالعكس.
فقد تأتي الجملة في صور الجملة الخبرية، ويكون المعنى الوظيفي لها معنىً إنشائياً، من قبيل ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان، بقوله: ” فقال {وَالْوَالِدَاتُ} أي الأمهات {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} صيغته صيغة الخبر والمراد به الأمر أي ليرضعن أولادهن، كقوله {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وجاز ذلك التصرف في الكلام مع رفع الإشكال إذ لو كان خبرا لكان كذبا؛ لجواز أن يرضعن أكثر من حولين أو أقل” [ج2/ص99]، وقال السيوطي في الاتقان: ” القصد بالخبر إفادة المخاطب، وقد يرد بمعنى الأمر، نحو: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ” [الإتقان في علوم القرآن: ج3/ص258].
وقال الألوسي في روح المعاني: “{يَتَرَبَّصْنَ} أي ينتظرن، وهو خبر قصد منه الأمر” [ج1/ص526]، وقال أيضاً: ” وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} استئناف بياني كأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليه: فقيل: تُؤْمِنُونَ إلخ، والمضارع في الموضوعين – كما قال المبرد وجماعة – خبر بمعنى الأمر، أي: آمنوا وجاهدوا” [ج14/ص283].
ثانياً: من البيان أولاً يتضح ان الجملة في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} هي جملة خبرية مسوقة لبيان حكم تشريعي على نحو الأمر بأن يؤمن من دخل المسجد الحرام، قال الشيخ المفيد: “قال الله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} فهو لفظ بصيغة الخبر، والمراد به الأمر بأن يؤمن من دخله”. [التذكرة بأصول الفقه: ص33].
وقال السيد المرتضى في رسائله: “من شأن أهل اللغة إذا أكدوا تحريم شيء، أدخلوا فيه لفظ النفي، لينبئ عن تحقيق التحريم وتأكيده وتغليظه، كما أن في مقابلة ذلك إذا أرادوا أن يؤكدوا ويغلظوا الايجاب، استعملوا فيه لفظ الخبر والاثبات. كما قال الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وانما أكد بذلك وجوب أمانه، وكان هذا القول آكد من أن يقول: فآمنوا من دخله ولا تخيفوه” [رسائل الشريف المرتضى: ص183].
قال العلامة الطباطبائي في الميزان: “فالحق أن قوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}: مسوق لبيان حكم تشريعي لا خاصة تكوينية، غير أن الظاهر أن يكون الجملة إخبارية يخبر بها عن تشريع سابق للأمن، كما ربما استفيد ذلك من دعوة إبراهيم المذكورة في سورتي إبراهيم والبقرة، وقد كان هذا الحق محفوظا للبيت قبل البعثة بين عرب الجاهلية ويتصل بزمن إبراهيم (عليه السلام). وأما كون المراد من حديث الأمن هو الإخبار بأن الفتن والحوادث العظام لا تقع ولا ينسحب ذيلها إلى الحرم، فيدفعه وقوع ما وقع من الحروب والمقاتلات واختلال الأمن فيه، وخاصة ما وقع منها قبل نزول هذه الآية، وقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} العنكبوت – 67، لا يدل على أزيد من استقرار الأمن واستمراره في الحرم، وليس ذلك إلا لما يراه الناس من حرمة هذا البيت ووجوب تعظيمه الثابت في شريعة إبراهيم (عليه السلام) وينتهي بالأخرة إلى جعله سبحانه وتشريعه. وكذا ما وقع في دعاء إبراهيم المحكي في قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا }إبراهيم – 35، وقوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} البقرة – 126، حيث سأل الأمن لبلد مكة فأجابه الله بتشريع الأمن وسوق الناس سوقا قلبيا إلى تسليم ذلك وقبوله زمانا بعد زمان”. [تفسير الميزان: ج3/ص354-355].
وقال ابن حزم: ” قوله تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فإنما هذا أمر لنا بأن نؤمن كل من دخل مقام إبراهيم وليس هذا خبرا ولو كان خبرا لكان كذبا لأنه قد قتل الناس حوله ظلما وعدوانا قال أبو محمد وموجود في كل لغة أن يرد الأمر بلفظ الخبر وبلفظ الاستفهام كقول القائل لعبده أتفعل أمر كذا أو ترى ما يحل بك وإنما ذلك أن الخبر عن الشيء إيجاب لما يخبر به عنه والأمر إيجاب لفعل المأمور به فهذا اشتراك بين صيغة الخبر وصيغة الأمر” [الإحكام في اصول الأحكام: ج4/ص72 ].
وقال الجصاص في احكام القرآن [ص90]:” {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} كل هذا من طريق الحكم لا على وجه الإخبار بأن من دخله لم يلحقه سوء لأنه لو كان خبرا لوجد مخبره على ما أخبر به لأن أخبار الله تعالى لا بد من وجودها على ما أخبر به وقد قال في موضع آخر {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} فأخبر بوقوع القتل فيه فدل أن الأمر المذكور إنما هو من قبل حكم الله تعالى بالأمن فيه وأن لا يقتل العائذ به واللاجئ إليه”
وقال ابن الجوزي في [مثر العزم الساكن: ج1/ص191]: “قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، لفظُ هذه الآية لفظُ الخبر، ومعناها الأمرُ، والتقدير: ومن دخله فأمنوه”.
وقال ابن باز: ” يقول سبحانه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء ” [مجموع فتاوى ابن باز: ج17/ص187].
ودمتم سالمين