مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الأصل من أصول الدين هو ما دلّ عليه الكتاب والسنة

تفاصيل المنشور

الاشكال

أصول الدين هي أساسيات وأركان الإيمان، كالمذكورة في حديث جبريل الطويل: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه..)) إلخ، وهذه الأمور المذكورة في الحديث زيادة على كونها واردة في الحديث فإنها قد وردت في القرآن الكريم بنصوص صريحة متكررة، ومعنى النص الصريح أي: أنه لا يحتاج لمعرفة المعنى المراد منه إلى غير النص نفسه فقط، فإن احتاج لمعرفة معناه من خلال رواية – مثلاً – كان النص الصريح هو الرواية وليست الآية، فالأصل الواحد من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة ثبت بنص قرآني قطعي محكم، مستغنٍ عن الشرح والتفصيل، والاستنباط والتفسير والتأويل، والرواية والحديث، وكل تدخل بشري آخر، وأما الفروع والتفصيلات التي تندرج تحت ذلك الأصل فقد تكون مذكورة في القرآن وقد تكون مذكورة في السنة. ولم نجد ما يدل على أن الإمامة أصل من أصول الدين في القرآن فلو كانت أصلا من أصول الدين فأين هي في كتاب الله دلونا عليها وفي أي سورة أو آية ذكرت؟

المستشكل

ناصر محمد أبو عبد الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

أصول الدين هي أساسيات وأركان الإيمان، كالمذكورة في حديث جبريل الطويل: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه..)) إلخ، وهذه الأمور المذكورة في الحديث زيادة على كونها واردة في الحديث فإنها قد وردت في القرآن الكريم بنصوص صريحة متكررة، ومعنى النص الصريح أي: أنه لا يحتاج لمعرفة المعنى المراد منه إلى غير النص نفسه فقط، فإن احتاج لمعرفة معناه من خلال رواية – مثلاً – كان النص الصريح هو الرواية وليست الآية، فالأصل الواحد من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة ثبت بنص قرآني قطعي محكم، مستغنٍ عن الشرح والتفصيل، والاستنباط والتفسير والتأويل، والرواية والحديث، وكل تدخل بشري آخر، وأما الفروع والتفصيلات التي تندرج تحت ذلك الأصل فقد تكون مذكورة في القرآن وقد تكون مذكورة في السنة. ولم نجد ما يدل على أن الإمامة أصل من أصول الدين في القرآن فلو كانت أصلا من أصول الدين فأين هي في كتاب الله دلونا عليها وفي أي سورة أو آية ذكرت؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

القول بأن أصول الدين هي كل ما كان منصوصاً عليه في القرآن الكريم بمعزل عن السنة الشريفة، هو قول بلا دليل وكلام بلا منطق ودعوى ساقطة من رأس، فالأصل لا يُعلم بغير كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء كانا مجتمعين أو منفردين، وهو ما عليه علماء أهل السنة، فقد قال الأذرعي في شرحه على العقيدة الطحاوية: ((وكيف تُعلمُ أصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله؟! وكيف يُفسر كتاب الله بغير ما فسره به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسوله، الذين نزل القرآن بلغتهم؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». وفي رواية: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»)) [شرح العقيدة الطحاوية، ص160].

وقال أبو الثناء الآلوسي: ((إن السنة في الأصل تقع على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سَنَّهُ أو أَمَرَ به من أصول الدين وفروعه)) [غاية الأماني، ج1، ص550].

وصرح ابن تيمية قائلاً: ((أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين)) [رسالة في أصول الدين، ص15].

بل أن الأمر الإلهي واضح في رد التنازع إلى الكتاب وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء كان في أصول الدين أو فروعه، لأنهما – أي الكتاب والسنة – أساس الدين، ولا يكتمل إيمان العبد إلا بهما، قال السعدي في تفسيره: ((ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما)) [تفسير السعدي “تيسير الكريم الرحمن”، ج5، ص184].

وقال ابن كثير في تفسيره: ((وقوله {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [الشورى:10] فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال)) [تفسير ابن كثير، ج2، ص345].

والإشكال الذي أورده الكاتب يرد على ابن تيمية الذي يلقبونه بـ “شيخ الإسلام” حيث جعل أحوال الأولياء والصحابة وفضائلهم ومراتبهم من أصول الدين، فقال في مجموع الفتاوى: ((فالأول كالعلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويدخل في ذلك أخبار الأنبياء وأممهم ومراتبهم في الفضائل وأحوال الملائكة وصفاتهم وأعمالهم ويدخل في ذلك صفة الجنة والنار وما في الأعمال من الثواب والعقاب وأحوال الأولياء والصحابة وفضائلهم ومراتبهم وغير ذلك. وقد يسمى هذا النوع أصول دين)) [مجموع الفتاوى، ج11، ص336].

ويرد أيضاً على مؤسس الفرقة الوهابية محمد بن عبد الوهاب حينما جعل محبة أهل البيت والصلاة عليهم في الصلاة من أصول الدين، فقال: ((من أصول الدين: محبة أهل البيت النبوي، وموالاتهم، والصلاة عليهم في الصلاة وغيرها)) [جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية «مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول، ص79»].

وللمنصف أن يتساءل عن مدرك ودليل ابن تيمية وابن عبد الوهاب في جعل الأول أحوال الأولياء والصحابة وفضائلهم من أصول الدين، وجعل الثاني محبة أهل البيت والصلاة عليهم منها أيضاً؟! فهل كان المدرك والدليل من الكتاب وبآية صريحة بمعزل عن السنة؟!

يجيب آل الشيخ حفيد ابن عبد الوهاب عن التساؤل: ((أن الأصل من أصول الدين وفروعه هو ما دلّ عليه الكتاب والسنة، هذه هي الأدلة الشرعية)) [منهاج التأسيس والتقديس، ص22].

وقد صرّح ابن تيمية في موضع آخر من كتابه بأن ولاية أمر الناس أصل الدين وأعظم واجباته، بل قيام الدين والدنيا متوقف عليها، حيث يقول: ((يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها)) [مجموع الفتاوى، ج28، ص390].

وها هو البيضاوي يؤكد بأن الإمامة من أصول الدين، حيث ذكر في كتابه “منهاج الوصول” ما يفهم منه ذلك بوضوح، فقال: ((قلنا: الأولان من الفروع، ولا كفر ولا بدعة في مخالفتهما، بخلاف الإمامة)) [منهاج الوصول إلى علم الأصول، ص76].

وصرّح ابن عبد البر في الاستيعاب بركنية الخلافة فقال: ((والخلافة ركن من أركان الدين)) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص969].

في حين أنه لم ترد آية صريحة فيما ذكره ابن تيمية والبيضاوي وبن عبد البر!!

ومع ذلك كله نقول:

الإمامة أمر ثابت منصوص عليه من الشارع كتاباً وسنةً، وهي منصب إلهي، فكما أنّ النبوة تشريع من الله فكذلك الإمامة تشريع منه عزّ وجلّ، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، قال القرطبي: ((هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع له ويُطاع)) [تفسير القرطبي، ج1، ص264].

ومن الآيات الدالة على الإمامة، قوله تعالى:‏ {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، فعن ابن مسعود قال: ((قال رسول اللّه صلى الله عليه واله انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ لم يسجد أحدنا لصنم قط فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا)) [مناقب ابن المغازلي، ص276، وعنه في ينابيع المودة، ج1، ص288].

ومنها: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]، روى الجمهور عن ابن العباس قال: نزلت في‏ أمير المؤمنين (عليه السلام). [ذخائر العقبى، ص89، وجواهر العقدين، ج2، ص246].

ومنها: قوله تعالى:‏ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24]، روى الجمهور عن ابن عباس وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه واله)، قال عن ولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) [الصواعق المحرقة، ص229]، وقال الالوسي في تفسيره لقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، بعد عدّ الأقوال فيها ((واولى هذه الاقوال ان السؤال عن العقائد والاعمال، وراس ذلك: لا اله الا اللّه، ومن اجله: ولاية علي كرم اللّه تعالى وجهه)) [روح المعاني، ج23، 74].

ومنها: قوله تعالى:‏ {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10-11]، روى الجمهور عن ابن عباس قال سابق هذه الأمة عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام). [تفسير ابن كثير، ج4، ص283، والدر المنثور، ج6، ص154، والصواعق المحرقة، ص123، وروح المعاني، ج27، ص114].

وغيرها كثير من الآيات المباركات التي دلت على إمامة الأئمة (عليهم السلام) لا يسع المقام ذكرها.

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.