مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الأسطورة الملفَّقة حول موسى وملَك الموت في كتب أهل السُّنة

تفاصيل المنشور

الاشكال

أرسل ملَك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكّه (لطمه) ففقأ عينه؟ رواه مسلم في الفضائل، وقد استنكره الروافض مع أنه مرويٌّ في كتبهم كما في لآلئ الأخبار للتويسركاني ص91 والأنوار النعمانية4/205، واستدلّ به الكاشاني قائلًا: «إنّ الطّباع البشريّة مجبولةٌ على كراهة الموت، مطبوعة عن النفور منه، وقصة آدم مع طول عمره وإمداد أيام حياته مع داود مشهورةٌ، وكذلك حكاية موسى مع ملَك الموت» (المحجّة البيضاء4/209).

يقول الرافضة: هذا لا يليق بنبيٍّ أنْ يغضب، فيبطش بطش الجبّارين. ولكنّ القرآن يُثبِت لموسى أنه لطم رجلًا، فقتله، ثم قال: (إنّ هذا من عمل الشيطان). فهل يحكي القرآن خرافة لا تليق بالأنبياء؟

المستشكل

عبد الغفور الوادعي

تفاصيل المنشور

الاشكال

أرسل ملَك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكّه (لطمه) ففقأ عينه؟ رواه مسلم في الفضائل، وقد استنكره الروافض مع أنه مرويٌّ في كتبهم كما في لآلئ الأخبار للتويسركاني ص91 والأنوار النعمانية4/205، واستدلّ به الكاشاني قائلًا: «إنّ الطّباع البشريّة مجبولةٌ على كراهة الموت، مطبوعة عن النفور منه، وقصة آدم مع طول عمره وإمداد أيام حياته مع داود مشهورةٌ، وكذلك حكاية موسى مع ملَك الموت» (المحجّة البيضاء4/209).

يقول الرافضة: هذا لا يليق بنبيٍّ أنْ يغضب، فيبطش بطش الجبّارين. ولكنّ القرآن يُثبِت لموسى أنه لطم رجلًا، فقتله، ثم قال: (إنّ هذا من عمل الشيطان). فهل يحكي القرآن خرافة لا تليق بالأنبياء؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

هذه الرواية التي وردتْ في كتب أهل السُّنة، والتي تزعم أنّ نبيّ الله موسى (عليه السلام) صفع ملَك الموت حتى فقأ عينه، ليست إلا واحدةً من سلسلة الافتراءات التي ملأتْ بعض كتب الحديث عندهم، وهي امتدادٌ للإسرائيليّات التي دُسَّت بين أخبار الأنبياء، مما أساء إلى مقام العصمة، وجعل الأنبياء عُرضةً للوصف بأفعالٍ لا تليق بشأنهم ومقاماتهم.

فكيف يُعقَل أنْ يكون نبيٌّ معصوم، مصطفى من قِبل الله، يأتيه رسولُ ملَك الموت، فيعتدي عليه ببطش الجبابرة فيفقأ عينه؟! هل كان موسى (عليه السلام) يجهل أنّ هذا ملَكٌ مرسَل من عند الله؟ أم كان غاضبًا على قضاء الله، وهو الذي نشأ على التسليم والانقياد لمشيئته؟! هذا ليس إلا تجسيدًا للنظرة التجسيميّة التي تجعل الملائكة، وكأنهم أجسامٌ مادِّية تصاب، وتُجرَح، وهو انحرافٌ عقَديٌّ نشأ في بيئاتٍ بعيدة عن روح التوحيد والتنزيه الذي جاء به الإسلام.

ثم إنّ هؤلاء يحتجّون بأنّ القرآن يَذكر أنَّ موسى (عليه السلام) وكز القبطيّ، فقتله، ليقولوا: إذا كان قد ضرب رجلًا، فقتله، فلماذا تستنكرون أنْ يضربَ ملَك الموت؟! وهذا من أعجب الاستدلالات! إذ كيف يُقاس الاعتداء على ملَك الموت الموكَّل من عند الله، بحادثة قتل القبطيّ، التي كانت قبل النبوّة، والتي لم يكن موسى (عليه السلام) فيها يريد قتل الرجل أصلًا، بل وكزه دفعًا للظلم! فشتّان بين الحادثتين، فأيُّ عقلٍ وأيّ منطقٍ يجيز المقارنة بينهما؟

ولن نحتاج إلى كثير عناءٍ في إثبات أنّ هذه الرواية موضوعةٌ مكذوبةٌ، إذ إنّ العقل السليم يأباها قبل النقل، وكيف يَقبل ذو بصيرةٍ أنْ يكون نبيّ الله موسى، الكليم، الذي صمد في وجه فرعون وطغيانه، رجلًا لا يملك زِمام نفسه أمام ملَك الموت؟ أ ليس هذا هو التسخيف بعينِه؟ ثُم ما القول في تصوير ملَك الموت كأنه جسدٌ له عين تُفقأ؟! أين هذا من العقيدة الصحيحة التي تجعل الملائكة مخلوقاتٍ نورانيّة لا تخضع لهذه الصفات البشريّة؟ أ ليس هذا من جنس التجسيم الذي تسلَّل إلى بعض العقائد الفاسدة؟

ثُم إنّ محاولة إلصاق هذه الرواية ببعض كتب الشيعة، كـ “لآلئ الأخبار” أو “الأنوار النعمانيّة”، هي محاولةٌ بائسة؛ إذ إنّ كتب الَحديث المعتمدة عندنا خاليةٌ من هذه الرواية، ولا اعتبار لما يُنقل في كتب متأخِّرة لا تمثل حجّة على مذهب أهل البيت (عليهم السلام). فالمذهب الذي يؤمن بالعصمة المطلقة للأنبياء لا يمكن أنْ يَقبل بمثل هذه الحكايات التي لا تقلُّ سفاهة عن روايات أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) سُحِرَ، أو أنه كان ينسى في الصلاة، أو أنه أراد الانتحار، كما تمتلئ بها كتب القوم!

والحاصل أنّ هذه الرواية من جنس الأحاديث الموضوعة التي تسيء إلى مقام الأنبياء، وتعكس مدى تسرُّب الخرافات إلى كتب القوم، وهي مخالفةٌ للقرآن والعقل والتنزيه، فلا يَلتفت إليها إلّا من فقد بصيرته، وغلب عليه الاجترار.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.

مركز الدليل العقائدي.