تفاصيل المنشور
- السائل - طالب علم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 21 مشاهدة
تفاصيل المنشور
يقول السيد حيدر الحلي (رحمه الله) في عينيَّته المشهورة والمخاطب الإمام المهدي (عجل ﷲ تعالى فرجه): يا غيرةَ ﷲِ اهتفي ـ بحميَّة الدين المنيعة.. إلى قوله: واستأصلي حتى الرضيعَ ـ لآل حربٍ والرضيعة.
نحن نعلم أنّ مَن قتل الإمام الحسين وأطفاله هُم كبار بني أميّة وأتْباعهم.. فما ذنبُ صغارهم حتى يُقتلوا أو يؤخَذوا بذنب أبائهم؟!
السائل
طالب علم
يقول السيد حيدر الحلي (رحمه الله) في عينيَّته المشهورة والمخاطب الإمام المهدي (عجل ﷲ تعالى فرجه): يا غيرةَ ﷲِ اهتفي ـ بحميَّة الدين المنيعة.. إلى قوله: واستأصلي حتى الرضيعَ ـ لآل حربٍ والرضيعة.
نحن نعلم أنّ مَن قتل الإمام الحسين وأطفاله هُم كبار بني أميّة وأتْباعهم.. فما ذنبُ صغارهم حتى يُقتلوا أو يؤخَذوا بذنب أبائهم؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ الخطاب الوارد في قصيدة السيد حيدر الحليّ (رحمه الله)، الموجَّه إلى الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، بطلب استئصال بني أميّة حتى الرضيع، لا يُحمَل على طلب المؤاخذة للصغار بجريرة الآباء، ولا على طلبِ ما يخالف مقتضى العدل الإلهيّ، بل هو طلبٌ لإجراء سُنّة الله الماضية، التي جرت على أيدي أنبيائه وأوليائه، في استئصال الأمم الظالمة استئصالًا عامًّا، لا يفرَّق بين كبيرٍ وصغير، متى استحكم الفساد في أصل الأمّة، وصار البقاء مظنّة دوام الجور والباطل.
وقد دلّ القرآن الكريم على هذه السُّنّة الإلهيّة الجارية، في موارد عديدة، منها قوله تعالى حاكيًا عن نوح (عليه السلام): {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:26-27].
فهذه الآية نصٌّ صريحٌ في أنّ نوحًا (عليه السلام) طلب من الله استئصال القوم أجمعين، بلا استثناءٍ لصغيرٍ أو كبير، لا لمؤاخذة كلِّ واحدٍ منهم بجريرته الشخصيّة، بل لأن الأصل إذا خَبُث، كان استمرارُ النسل استمرارًا للباطل، وكان بقاؤهم بقاءً لمادّة الفساد.
وكذا جرى الحكم في قوم عادٍ، قال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [فصلت:16].
وفي ثمود، قال سبحانه: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 67].
وفي قوم لوطٍ، قال سبحانه: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82].
فهذه النصوص كلُّها شاهدةٌ بأنّ الهلاك إذا عمّ أمةً مستحكِمةً في الظلم، كان استئصالًا عامًّا للأصل والفرع، لا تفريقَ فيه بين صغيرٍ وكبير، لا لأن الصغار مؤاخذون؛ بل لأن استمرار النسل استمرارٌ لمشروع الباطل، فلا يتحقَّق قطع دابر الظلم إلا بقطع الأصل كلِّه.
وإذا ثبتتْ هذه السُّنّة الإلهيّة الجارية على أيدي الأنبياء، فلا وجه للاستغراب أنْ يخاطِب شاعرٌ من شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، إمامَه القائم (عجّل الله فرجه)، بهذا الخطاب، فيطلب منه أنْ يُجري اللهُ تعالى على يديه ما أجراه على أيدي أنبيائه، من استئصال أصل الجور، ومحو جذور الشجرة الملعونة في القرآن، حتى لا يبقى لهم نسلٌ يعيد دورة الفتنة، أو يرفع راية الباطل.
إنّ هذا الخطاب ليس تأسيسًا لشيءٍ خارجٍ عن سُنن الله سبحانه، بل هو طلبٌ لامتداد سننه الجارية، وإظهارٌ للرغبة في تحقيق ما وعد اللهُ تعالى به في الكتاب العزيز، من أنّ الأرض يرثها عبادُه الصالحون، وأنّ الحق لا يتم إلا بإزالة أصول الباطل، وقلْع جذوره، وإبادة شجرته الملعونة بأصلها وفرعها.
فإذا كان نوحٌ (عليه السلام) قد طلب من الله استئصال قومه الكافرين بلا استثناء، مع علمه أنّ بينهم أطفالًا، فلا غرابة أنْ يطلب عبدٌ صالح، محبٌّ لآل محمد (عليهم السلام)، من إمامه القائم، أنْ يُجري اللهُ على يديه نظير تلك السُّنة الإلهيّة في بني أمية، الذين أثبت القرآنُ لعنهم، وبيَّن أنهم شجرةٌ ملعونة، وكانوا رأس الجور والفتنة، ولم يكن بقاؤهم إلا استمرارًا لدورة الظلم والعداء للحق.
فتحصّل أنّ الخطاب الوارد في شعر السيد حيدر الحلي (رحمه الله)، ليس طلبًا لمؤاخذة الصغار بجريرة الآباء، بل هو طلبٌ لإجراء سُنّة الله الماضية على يد الإمام القائم (عجل الله فرجه)، في استئصال الظالمين بأصلهم وفرعهم، حتى لا تبقى لهم باقية، وهو خطابٌ مشروع، موافق للقرآن الكريم، مؤصَّلٌ بسُنَن الله الجارية، لا استغراب فيه، ولا استبعاد له، ولا منافاة فيه لمقتضِيات العدل الإلهيّ.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.