السائل = أحمد محمد
السؤال = ما المقصود بالموالاة لأهل البيت؟! وهل هناك آيةٌ في القرآن الكريم تأمر الناسَ باتّباع أهل البيت؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
أما السؤال الأول فجوابه هو أنّ الموالاة لأهل البيت (عليهم السلام)، تعني – إضافةً لمحبَّتهم والتعاطف معهم – التقيُّدَ بأقوالهم والسَّير على منهاجهم.. وهذه الموالاة واجبةٌ على كل مسلمٍ حسب منطوق حديث الثقلين المتواتر بين الفريقَين - سُنةُ وشيعةً – بأمرٍ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيته لأمته مِن بعده، فقد روى الجمُّ الغفيرُ من الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ((إني تاركٌ أو مخلِّفٌ فيكم الثقلين، أو: الخليفتين. ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليّ الحوض)) [الصواعق المحرقة، ص136]، الّذي ينص على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك بعد وفاته للأمة شيئين، هما في غاية الأهمية، إن تمسّكوا بهما نجَوا، وإن تركوهما ضلُّوا وغوَوا، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).
فالموالاة لأهل البيت (عليهم السلام) تعني متابعتهم والتمسك بهم، امتثالًا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعملًا بوصيته.
وأما السؤال الثاني: (هل هناك آيةٌ في القرآن الكريم تأمر الناس باتّباع أهل البيت عليهم السلام؟) فجوابه:
إذا أنعمْت النظر في ما تقوله آيات الكِتاب ستجد أنّ الله سبحانه قد أوجب على كلّ الأُمّة الأخذ بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من نحو قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158]؛ وقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النّور:63]؛ وقوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران:31]؛ وقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
قال الزركشي ناقلًا عن أبي الحكم بن برجان جزمَه في قوله بأنّ: ((كل حديثٍ ففي القرآن الإشارة إليه تعريضًا أو تصريحًا، وما قال منشئٌ فهو في القرآن أو فيه أصله قرُب أو بعُد، فهِمه من فهِمه، وعمِه عنه من عمِه. قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، أ لا يسمع إلى قوله – صلى الله عليه وسلم: «لأقضيَنّ بينكما بكتاب الله». وقضى بالرجم، وليس هو نصًّا في كتاب الله، ولكنْ تعريضٌ مجملٌ في قوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}، وأما تعيين الرجم من عموم ذلك العذاب، وتفسير هذا المجمل فهو مبيَّنٌ بحكم الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيه، وبأمره به، وموجود في عموم قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله}، وهكذا جميع قضائه وحكمه)) [البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي، ج6، ص9].
وإذا اتضح لك ما قدَّمناه فاعلم أنّ العلاقة بين السُّنة الشريفة وبين كتاب الله عزّ وجلّ هي علاقة توافق وتكامل؛ لأن مصدرهما واحد، وهو الله تبارك وتعالى، ولهذا فإنّ عدم الإقرار والتسليم بما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ردٌّ وإعراضٌ عن أمر الله عزّ وجلّ، قال أحمد بن حنبل: ((إذا لم نُقرَّ بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، رددنا على الله أمره، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا})) [الإبانة الكبرى، ج7، ص58].
ولولا بيان السُّنّة لما عرفتم أن المراد بكلمة (صاحبه) هو أبو بكر، في قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}؟!!
ولما عرفتم أن الطواف بالبيت سبعًا، وأن صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، وغيرها كثير من الأحكام الشرعية؟!!
كذلك ثبت عن طريق السُّنة نزول آية التطهير وآية المودّة وآية المباهلة في أهل البيت (عليهم السلام) التي يُستشفُّ منها حثُّ المسلمين على الاقتداء بهم (عليهم السلام)، ووجوب مودتهم واتّباعهم!!
وعلاوة على ذلك، فقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: ((يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي))، صححه الألباني. [صحيح الترمذي، للألباني، ج3، ص226].
ويستفاد من الحديث المذكور ثلاثُ دلالات:
الدلالة الأولى: أنّ العترة هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الدلالة الثانية: أنّ العترة تكون هاديةً مهديَّةً إلى يوم القيامة، وهذا هو معنى عدم الافتراق عن القرآن الذي نصّ عليه علماء أهل السُّنة عند شرحهم للحديث المذكور. [ينظر: فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي، ج3، ص20؛ شرح المقاصد للتفتازاني، ج3، ص529].
الدلالة الثالثة: استمرار خلافة العترة إلى يوم القيامة، وقد نصّ على ذلك علماءُ أهل السُّنة أنفسهم عند شرحهم لهذا الحديث [ينظر: فيض القدير، ج3، ص19؛ الصواعق المحرقة، ص442].
فإنْ قلتَ: ومن هم عترته أهل بيته؟
قلنا: صرّح المناوي في كتابه “فيض القدير” بما لا لبْس فيه، مبيِّنًا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((وعترتي أهل بيتي))، قائلًا: ((“وعترتي أهل بيتي” تفصيلٌ بعد إجمال بدلًا أو بيانًا، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا..)) [فيض القدير، ج3، ج19].
وفي سياق تعيين المراد من أصحاب الكساء، يقول الآلوسي صاحب التفسير: ((وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وابنيهما (رضي الله تعالى عنهم) تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعاؤه لهم، وعدم إدخال أُمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصِّصة لعموم أهل البيت بأيِّ معنى كان البيت، فالمرادُ بهم: مَن شمِلهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم)) [تفسير الآلوسي، ج22، ص15].
وأكد ابن تيمية صحة حديث الكساء، فقال: ((وأما حديث الكساء فهو صحيح، رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ، وعليه مرطٌ مرجّلٌ من شَعرٍ أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة، فأدخلها، ثم جاء عليٌّ، فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} …. )) [منهاج السنة النبوية، ج5، ص13].
والحاصل فإن اتّباع أهل البيت (عليهم السلام) واجبٌ على كلِّ مسلمٍ بنصِّ الكتاب والسُّنة القطعية.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.