مركز الدليل العقائدي

إطلاق لفظ (السيد) على غير الخالق

المستشكل = نور محمد
الإشكال = لفظ (السيِّد) صار يطلق على من يُعتقد فيهم النفع والضر، مثل من يسمّونهم السادة من أهل البيت، وصار يصحب هذا القول اعتقاد في الأشخاص، وهذا لا شكّ أنه شرك، لأنه لا يقال السيِّد إلاّ في حقِّ الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث: “السيِّد الله” وهذا مرويٌّ عن الإمام مالك.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

من الواضح جداً أن هذا الاعتراض الباطل موروث عن عقيدة عمر بن الخطاب وذلك حينما اعترض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله لقوم سعد بن معاذ لما قدم عليهم سعد: قوموا إلى سيدكم، فاعترض عمر وقال السيد الله! فقد روى أحمد في مسنده عن عائشة، أنها قالت: ((فلما طلع – يعني سعد – قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا إلى سيدكم فأنزلوه. فقال عمر: السيد الله. أو قال: سيدنا الله)) [مسند أحمد، ج6، ص142؛ عمدة القاري، ج17، ص191؛ وفتح الباري، ج7، ص317؛ ومجمع الزوائد، ج6، ص138].

ولكننا وجدنا أن عمر بن الخطاب نفسه قد ارتكب ما اعترض به على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في رواية أحمد، بقوله: (السيد الله، أو سيدنا الله)، نجده في رواية البخاري يقول: (أبو بكر سيدنا، وبلال سيدنا)، فقد روى البخاري في صحيحه أن عمر بن الخطاب قال: ((أبو بكر سَيِّدُنا، وأَعتقَ سيِّدَنَا، يعني بِلالًا)). [صحيح البخاري، فضائل الصحابة، ج7، ص99]، فهل في التناقض أقبح من هذا؟!

وبعد هذا البيان نجيب عن الاعتراض بالآتي:

إن لفظ (السيد) يطلق على الرّب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج، ومُتَحَمِّل أذى قومه، واللَّه جل وعلا هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم، فالسؤدد كله حقيقة للَّه والخلق كلهم عبيده، وهذا لا يُنافي السِّيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية، فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف. [انظر: النهاية في غريب الحديث، ج2، ص418].

قال ابن القيم في الفوائد: ((السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى: المالك والمولى والرب، لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق، والله سبحانه وتعالى أعلم)) [الفوائد، لابن القيم، ج3، ص213].

وقال الراغب الأصفهاني: ((السيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة، وينسب ذلك فيقال سيد القوم، ولا يقال سيد الثوب، وسيد الفرس، يقال ساد القوم يسودهم، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس، قيل لكل من كان فاضلا في نفسه سيد، وعلى ذلك قوله تعالى {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} وقوله {وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ}، فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته، وقوله عز وجل {إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا} أي ولاتنا وسائسينا)) [مفردات ألفاظ القرآن، ج1، ص508].

وفي قوله تعالى عن نَبِيِّهِ يحيى ابنِ زكريا (عليهما السلام): {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39]، يقول ابنُ الأَنباري: ((إِنْ قال قائِلٌ: كيف سمَّى اللهُ عز وجل يحيى سَيِّدًا وحصورًا، والسَّيِّدُ هو اللهُ، إذْ كان مالِكَ الخلقِ أجمعين، ولا مالِكَ لهُمْ سِواه؟ قِيلَ له: لم يُرِدْ بالسَّيِّدِ ههنا المالكَ، وإِنَّمَا أراد الرئيسَ والإمامَ في الخيرِ، كما تقولُ العربُ: فلانٌ سيِّدُنا، أي: رئيسُنا والذي نُعظمه)). [لسان العرب، ج3، ص230].

ولو أنك دخلت المسجد النبوي لقرأت المكتوب على جدرانه من أسماء وصفات للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها: «كاشف الكرب، سيد الكونين»، ومحل الشاهد لفظ (السيد)، فكما ترى أنه قد أطلق هذا اللفظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يستلزم هذا الإطلاق الاعتقاد بأن الرسول هو النافع الضار.

فانظر فيما قاله الشيخ ابن باز في فتاواه عن الرسل: ((ولا ريب أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام -هم سادة الناس في الدعوة وهم أولى الناس بهذه الصفات الجليلة التي ذكرها الحسن وأولاهم بذلك وأحقهم به على التمام والكمال؛ إمامهم وسيدهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله)) [مجموع فتاوى ابن باز، ج2، ص344]، فهل يقال عن ابن باز أنه يعتقد في الأنبياء والرسل النفع والضر؟!

وها هو ابن القيم يصف الصحابة بالسادة، فهل يا ترى اعتقد فيهم النفع والضر؟! حيث قال: ((أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء)) [إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج1، ص12].

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.