تفاصيل المنشور
- المستشكل - محمد الوائلي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 22 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم .. هناك في القرآن آية: « قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» فالله قدّر كلّ شيءٍ تقديراً في اللوحِ المحفوظ وفقًا للإسلام والله مولانا وقد كتبَ كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر كما يقول المرجع الطباطبائي في ميزانه، إلّا أنّ هذا يناقض القرآن نفسه.
• وفي سورة الفلق مثالًا :
تبدأ السورة بِـ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} سبب نزولها هو: لبيد بن أعصم اليهودي سحر الرسول صلّى الله عليه، ودسّ السحر في البئر، وبينما كان النبي نائمًا أتاه ملكان فأخبراه بقضية السحر، وأنّه في بئر ذروان تحت كذا في كذا إلخ…من التفاصيل، فبعث عليّاً وعمّار وأخرجوا السحر، الذي كان «مشط، وحبل به 11 عقدة مغروزة بالأبر!» وكلّما قرأ آية من سورة (الفلق والناس) انحلّت عقدة وأبطلوه وصحى رسول الله بعد مرضه بسبب السحر! هذا هو الرّسول نفسه أخبرنا «لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا» يستعيذ بالله من شر النفّاثات في العقد! فلو كانَ صحيحًا فليسَ هناكَ أيّ حاجة لدعاء الله أن يعيذنا من شر النفاثات في العقد ؟!!
هل هذا تناقض أم ماذا ؟ أرجو الإجابة .
المستشكل
محمد الوائلي
السلام عليكم .. هناك في القرآن آية: « قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» فالله قدّر كلّ شيءٍ تقديراً في اللوحِ المحفوظ وفقًا للإسلام والله مولانا وقد كتبَ كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر كما يقول المرجع الطباطبائي في ميزانه، إلّا أنّ هذا يناقض القرآن نفسه.
• وفي سورة الفلق مثالًا :
تبدأ السورة بِـ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} سبب نزولها هو: لبيد بن أعصم اليهودي سحر الرسول صلّى الله عليه، ودسّ السحر في البئر، وبينما كان النبي نائمًا أتاه ملكان فأخبراه بقضية السحر، وأنّه في بئر ذروان تحت كذا في كذا إلخ…من التفاصيل، فبعث عليّاً وعمّار وأخرجوا السحر، الذي كان «مشط، وحبل به 11 عقدة مغروزة بالأبر!» وكلّما قرأ آية من سورة (الفلق والناس) انحلّت عقدة وأبطلوه وصحى رسول الله بعد مرضه بسبب السحر! هذا هو الرّسول نفسه أخبرنا «لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا» يستعيذ بالله من شر النفّاثات في العقد! فلو كانَ صحيحًا فليسَ هناكَ أيّ حاجة لدعاء الله أن يعيذنا من شر النفاثات في العقد ؟!!
هل هذا تناقض أم ماذا ؟ أرجو الإجابة .
الأخ محمّد المحترم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك فهمٌ خاطيء عند البعض لقوله تعالى : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } التوبة : 51، فالبعض يعتقدُ أنَّ كلّ شيءٍ محتوم وأنَّ أفعالنا قد خطّتها يدُ القدرةِ الإلهية بما لا مجال لتغيير شيءٍ من أحوالنا سواء دعونا اللهَ بتغييرها أم لم ندعو .. وهذا الكلام غيرُ صحيحٍ ، فلنطالع سويةً آيات القرآن الكريم ونتدبّرها معاً.
يقول تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } سورة غافر : 60.
ويقول تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } الفرقان : 77.
ويقول تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } الكهف : 29.
ويقول تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }سورة الإنسان : 3.
ويقول تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }النجم : 39.
هذه الآيات وغيرها كثير في القرآن الكريم تكشفُ لنا عن أمرين :
الأوّل : أنّ الإنسان مخيّرٌ في أفعاله .
الثاني : أنّه سبحانه قد شرّع له الدعاء ، والدعاء يردّ القضاء كما في الحديث الشريف .
فكما نلاحظ أنَّ ظاهر هذه الآيات الكريمة يتنافى والفهم الذي يطرحه البعض للآية الكريمة المتقدّمة : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } بأنّ كلّ شيءٍ قد كتبه الله على الإنسان فلا ينفع معه دعاء ولا الأخذ بالأسباب الطبيعية لدفعه ، الأمر الذي يحتّم علينا أن نفسّر الآية الكريمة تفسيراً ينسجم وبقية الآيات القرآنية ما دمنا نؤمن بأنّ كلّ هذه الآيات قد صدرت من الله سبحانه العليم الحكيم الذي لا يوجد تناقض ولا تنافي في معاني آياته ، يقول تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }سورة النساء : 82.
وهو ما نسميه في الاصطلاح الأصولي بالتعارضِ غير المستقرّ ، الذي يمكنُ الجمعُ بين أطرافهِ جمعاً عرفياً وفقَ قاعدةِ الجمعِ العرفي التي يعملُ بها جميعُ العقلاءِ في الأرض .
ومقتضى الجمعِ العرفي بين الآية الكريمة ( الآية 51من سورة التوبة ) والآيات الأخرى أن يكونَ المرادُ منها : قل لنْ يصيبنا إلّا ما كتبَ اللهُ لنا من الاختيارِ في التكليفِ والأخذُ بالأسبابِ الطبيعيةِ الظاهريةِ والأسباب الغيبية من الدعاء والتوكّل، فكلّ شيء إنّما يجري تحت سلطان الله وإذنه ، فلا يُعصى الله مغلوباً ولا يطاع جبراً .
وهذا المعنى يبيّنه لنا السياق نفسه الذي جاءت به هذه الآية الكريمة ، فالآية جاءت في سياق الرد على المنافقين الذين يفرحون إذا أصاب المؤمنين شيئاً من البلاء ويقولون قد أخذنا حذرنا فلم نكن مع المؤمنين فلم يصيبنا ما أصابهم ، فجاء الرد الإلهي عليهم : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }، فالمؤمنون يرون اّنّ ما يجري عليهم من رخاء أو بلاء إنّما هو ضمن دائرة القضاء والقدر الإلهي الذي يوجب عليهم الأخذ بالأسباب الطبيعية والغيبية معاً من إعداد العدّة للأمور والتوسل بالدعاء والتوكّل فيكتب الله لهم الأحسن لهم دائماً سواءً في أمور الرخاء أو أمور البلاء .
وهو المعنى الذي بيّنه الشيخ الطوسي قدّس سرّه في أحد الوجهين المطروحين لتفسير الآية الكريمة ، قال في تفسيره ” التبيان في تفسير القرآن ” : (( قوله تعالى : قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( الآية ).
أمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله أن يقول لهؤلاء المنافقين الذين يفرحون بمصيبات المؤمنين وسلامتهم منها ” لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا ” وقيل في معناه قولان :
أحدهما – إنّ كلّ ما يصيبنا من خيرٍ أو شرٍّ فهو مما كتبهُ اللهُ في اللوحِ المحفوظ من أمرِنا ، وليس على ما تظنّون وتتوهمون من إهمالنا من غير أن نرجع في أمرنا إلى تدبير ربنا ، هذا قول الحسن .
الثاني – قال الجبائي والزجاج : يحتمل أن يكون معناه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلّا ما كتبَ اللهُ لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا )) ( التبيان في تفسير القرآن 5: 234).
وكذلك بيّنه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بعبارات واضحة ضمن البحوث التي تعرّض لها في تفسير الآية الكريمة ، قال ( دام ظلّه ) : (( المقادير وسعي الإنسان:
ممّا لا شكّ فيه أنّ مآلنا وعاقبة أمرنا – بأيدينا – ما دام الأمر يدور في دائرة سعينا وجدنا ، والقرآن الكريم يصرّح بهذا الشأن أيضاً ، كقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وكقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة ، وفي آيات أخر .
بالرغم من أنّ الجدّ والسعي هما من السنن الإلهية وبأمره تعالى أيضا .
إلّا أنّه عند خروج الأمر عن دائرة سعينا وجدّنا ، فإنّ يد القدر هي التي تتحكم بمآلنا وعاقبة أمرنا ، وما هو جار بمقتضى قانون العليّة الذي ينتهي إلى مشيئة الله وعلمه وحكمته وهو مقدّر علينا ، فهو ما سيكون ويقع حينئذ . غاية ما في الأمر أنّ المؤمنين بالله وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته ، يفسّرون هذه المقادير بأنّها جارية وفقا ” للنظام الأحسن ” وما فيه مصلحة العباد ، وكلّ يبتلى بمقادير تناسبه حسب جدارته التي اكتسبها .
فالجماعة إذا كانوا من المنافقين الجبناء والكسالى والمتفرقين فهي محكومة بالفناء حتما . إلّا أنّ الجماعة المؤمنة الواعية المتحدة المصممة ، ليس لها إلّا النصر والتوفيق مآلا .
فبناء على ذلك يتضح أنّ الآيات آنفة الذكر لا تنافي أصل الحرية [ حرية الإرادة والاختيار ] وليست دليلاً على العاقبة الجبرية للإنسان أو أنّ سعي الإنسان لا أثر له)) ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 6:78) .
أمّا ما أشرتم إليه من الرواية بأنّ يهودياً اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأثّر فيه سحره حتّى كان يخيل له أن يفعل الشيء وهو لا يفعله ، فهذه الرواية ليست صحيحة عندنا وهي مطروحة شرعاً وعقلاً ( راجع : التفسير الكاشف للشيخ محمّد جواد مغنية 7: 625، و الرسالة الموسومة بـ : القول الفائق في نفي تأثير السحر في خير الخلائق للسيد حسن الشيرازي ).
وفي هذا الصدد أيضاً يردّ الشيخ محمد عبده على كثير من المقلّدين ، على حدّ تعبيره ، الذين قالوا : لقد صحَّ الخبر بتأثير السحر في نفس رسول اللَّه ( ص ) ومن أنكر ذلك فقد أبدع في الدين لأنَّ القرآن قد جاء بصحة السحر ، فعلّق الشيخ محمد عبده على ذلك بقوله : فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح إلى بدعة عند المقلّدين ، ويحتجون بالقرآن الذي نفى السحر على ثبوت السحر وتأثيره في رسول اللَّه تماماً كما قال المشركون عنه : إنّه رجلٌ مسحور ( المصدر المتقدّم : التفسير الكاشف).
ودمتم سالمين.