مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

أين الإعجاز القرآني في الجانب التشريعي السياسي والاقتصادي؟

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم.. يُفهم بأنَّ القرآن الكريم جاء بتشريعات متكاملة، والسؤال هنا: أين القوانين التي نظمت مجال الاقتصاد والسياسة بتفصيلاتها؟ وأين الإعجاز التشريعي في ذلك؟

السائل

حسنين حيدر الطفيلي

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم.. يُفهم بأنَّ القرآن الكريم جاء بتشريعات متكاملة، والسؤال هنا: أين القوانين التي نظمت مجال الاقتصاد والسياسة بتفصيلاتها؟ وأين الإعجاز التشريعي في ذلك؟

الأخ حسنين المحترم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الإعجاز في القرآن الكريم بالنسبة للأحكام في مختلف جوانبها – الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفقهية وغيرها – ثابت وملموس كُتبت فيه العديد من البحوث والدراسات، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى شيء منه في الجانب الاقتصادي بما يسع المجال وإلا فالموضوع لا يمكن أن تحيط به أسطر قليلة كما لا يخفى، وفي هذا الجانب نقول:

تعدّ المنظومة الاقتصادية الإسلامية التي طرحها القرآن الكريم هي المنظومة الأفضل في العالم في موضوع توزيع الثروات بين الناس من حيث إنّها تمنع عدّة أمور، أهمها: أنّها تمنع تكدّس الأموال بيد جماعة معينة حتّى لا تتحكم بأرزاق الناس ومصائرهم، وأيضاً تمنع الجشع واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وكذلك تشيع روح المودّة والتآلف والتعاون بين بني البشر..  فخذ مثلا قوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) (سورة الحشر: 7).

فالقران الكريم هنا يطرح تشريعاً يمنع فيه أن يكون المال متداولا بين الكبار القادرين فقط، كما هو الحاصل في العالم اليوم للأسف؛ إذ تؤكد الدراسات العلمية المعاصرة أنّ واحد في المائة من سكان الأرض يمتلكون 50 في المائة من ثرواتها، والوضع مرشح في المستقبل – مع غياب المنظومة الاقتصادية المتوازنة – إلى امتلاكهم لكلّ ثروات الأرض، وبالتالي سيكون مصير البشرية في أموالها ومقدراتها بيد فئة قليلة جدّاً يسيّرونها كيف يشاؤون في سياساتهم وأمزجتهم وأغراضهم. والخلل يكمن في أمرين:

الأوّل: عدم وجود توزيع منصف للثروات من قبل الحكومات وأنظمتها.

الثاني: العمل بوسائل لتحصيل المال من دون عمل كالربا الذي تتعامل به البنوك العالمية الكبرى.

وكلا هذين الأمرين منعهما الإسلام، فالآية الكريمة المتقدّمة في تشريعها تلزم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بتوزيع ما أفاء الله عليه على الفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجين حتّى لا تكون الثروة بيد الفئة الحاكمة فقط، ويكون للحاكم حصة كبقية الحصص يستحقّها بحكم موقعه ومسؤوليته في قيادة الأمة. كذلك شرّع الإسلام مجموعة من الإحكام والضوابط التي تمنع الجشع والاحتكار كإيجاب الخمس والزكاة ودفع الصدقات والحث على الإنفاق في سبيل الخير وتحريم الربا، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (سورة البقرة: 275) فالإسلام يحرّم اجتباء المال من دون عمل، لأنّ فيه تعطيل لقدرات المجتمع وشلّ لحركة الحياة.

   يقول الدكتور (شافت) مدير بنك الرايخ الألماني سابقا في محاضرة ألقاها في سوريا عام 1953: ((أنّه بعملية رياضية (غير متناهية) يتضح أنّ جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدّا من المرابين، ذلك أنّ الدائن يربح دائما في كلّ عملية، بينما المدين معرض للربح والخسارة، ومن ثمّ فإنّ المال كلّه في النهاية – بالحساب الرياضي – لا بد أن يصير إلى الذي يربح دائما)). (في ظلال القرآن 1: 321)

وما هي نتيجة تكدّس المال عند عدد قليل جدّا من المرابين؟

القرآن الكريم يجيبنا على ذلك بكلّ وضوح ويقول: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) (سورة العلق: 6-7)

فهذا هو الواقع المأساوي الذي يعيشه العالم اليوم في ظل النظام المسمّى بالنظام الرأسمالي وهو طغيان أصحاب رؤوس الأموال على البشرية والتحكّم في مصيرها وقوتها ومعيشتها بل في كرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي.

 أمّا ما كان عليه النظام الاشتراكي في الجانب الاقتصادي وما انتهى إليه من انهيار تام بسبب مخالفته للطبيعة البشرية حين حرّم الملكية الخاصة وأشاع ملكية الدولة فقط  فهو واضح للعيان ، فقد شهد الجميع انتهاء تجربته الفاشلة في جانبها الاقتصادي حتّى أدّى ذلك إلى انهياره التام بعد أن كان يتحكم  باقتصاد الكثير من دول العالم بما يقرب من قرن، بينما الإسلام العزيز  مازالت اطروحته المتوازنة هي الاطروحة الناجحة في جانبها الاقتصادي ؛ إذ فيها الضمان لحقوق الجميع : الفرد والمجتمع ، فهي تجعل الكرامة الإنسانية فوق كلّ اعتبار ، وتجعل الاستقرار ومتطلبات العيش الكريم  حقّ مكفول من قبل النظام التشريعي الإسلامي يجب على الدولة الإسلامية توفيره للجميع  من دون استثناء أو تفرقة بين حاكم ومحكوم أو بين غني وفقير.

ودمتم سالمين