تفاصيل المنشور
- السائل - الشيخ ماجد الوائلي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 15 مشاهدة
تفاصيل المنشور
أثناء حوار مع بعض إخواننا من أهل السنة حول المهدي المنتظر (عليه السلام)، أشاروا إلى عدم ورود أحاديث صريحة في صحيح مسلم، برغم تقديمي لأحاديث أخرى تثبت هذا الاعتقاد، إلا أنهم ما زالوا مترددين، والسؤال لحضراتكم: كيف يمكنني توضيح أن الأدلة على وجود المهدي عليه السلام) لا تقتصر على صحيح مسلم فقط؟
السائل
الشيخ ماجد الوائلي
أثناء حوار مع بعض إخواننا من أهل السنة حول المهدي المنتظر (عليه السلام)، أشاروا إلى عدم ورود أحاديث صريحة في صحيح مسلم، برغم تقديمي لأحاديث أخرى تثبت هذا الاعتقاد، إلا أنهم ما زالوا مترددين، والسؤال لحضراتكم: كيف يمكنني توضيح أن الأدلة على وجود المهدي عليه السلام) لا تقتصر على صحيح مسلم فقط؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إن العديد من علماء أهل السُّنة والجماعة، منهم محمد بن الحسين الآبُري، وابن قيِّم الجوزية، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ السخاوي، والسيوطي، قد صرَّحوا بتواتر الأحاديث الواردة في ذكر المهدي المنتظر (عليه السلام).
وبناءً على ذلك، تُعدّ عقيدة المهديِّ المنتظر(عليه السلام) من عقائد أهل السُّنة والجماعة، كما أكَّد ذلك السفاريني والشّوكاني وصدِّيق بن حسن وغيرهم.
ومن ادّعى أنّ مسلمًا لم يُخرج أحاديث تصرّح بذكر المهديّ (عليه السلام) في صحيحه، فقد اعتمد على نُسخٍ مُحرّفةٍ حُذفت منها تلك الأحاديث، بدليل أنّ خمسةً من أعلام أهل السُّنة قد أخرجوا حديث “المهديّ من عترتي من ولد فاطمة” في مصنّفاتهم، وأشاروا إلى وجوده في صحيح مسلم، وهم:
ابن حجر الهيتمي المكي (تـ 974هـ)، قال في “الصواعق المحرقة”: ((ومن ذلك ما أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وآخرون: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»)) [الصواعق المحرقة، لابن حجر المكي، ج2، ص472].
وهكذا عزاه المتّقي الهندي (تـ 975هـ)، في “كنز العمال”، إلى صحيح مسلم. [كنز العمال، للمتقي الهندي، ج14، ص264].
وأفرد الشيخ محمد بن علي الصبّان (تـ 1206هـ)، في كتابه “إسعاف الراغبين”، فصلًا في بيان المزايا التي اختص بها اهل البيت (عليهم السلام)، وقد ذكر فيه كثيرًا من مزاياهم، إلى أن قال: ((ومنها: أن منهم مهديَّ آخر الزمان. أخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي وآخرون: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»)) [إسعاف الراغبين، لابن الصبان، ص45].
ونحوهم قال القندوزي (تـ 1270هـ)، في “ينابيع المودة”: ((أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وصاحب المصابيح، وآخرون)) [ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، ج٣، ص٢٦١].
وعزاه – أيضًا – الشيخ حسن العدويّ الحمزاوي المالكي (تـ 1303هـ) في “مشارق الأنوار”، إلى صحيح مسلم، فقال: ((وهو من ولد فاطمة باتفاق الجمهور، ففي مسلمٍ وأبي داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وآخرين: المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) [مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار، للحمزاوي، ص186، ط. القاهرة. (النسخة الحجرية)].
وعلى فرض إنَّ الأحاديث الواردة في شأن الإمام المهدي (عليه السلام) وإن لم ترِدْ في الصحيحين بالتفصيل الذي جاء في غيرها، فذلك لا يقدح في صحّتها ودلالتها؛ لكونها قد ثبتت في غيرهما، ومعلومٌ أن غير الصحيحين من السُّنن والمسانيد والأجزاء الحديثيّة فيها الصِّحاح والحِسان والضعاف، وعلماء الحديث قد قبِلوها، واحتجّوا بها، واعتقدوا موجبها، وكُتب الأصول والفروع مملوءةٌ من الأحاديث الصحيحة الواردة في غير الصحيحين للاستدلال بها والاستناد إلى دلالتها في الأحكام الشرعية والعمل بموجبها، وأرى أن أستعرض بعضَ الأحاديث التي وردتْ في السنن والمسانيد وغيرها التي يَستدل بها أهل السُّنة في كتبهم العقَدية على نحو التمثيل:
1- الحديث المشتمِل على العَشرة المبشرين بالجنة، الذي يعتقد أهل السنة موجبه، فإنَّه واردٌ في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره، ولم يردْ له ذكرٌ في الصحيحين.
2- الحديث الدالُّ على أنَّ نَسَمة المؤمن طائرٌ يُعلق في شجر الجنة، لم يرِد في الصحيحين، وقد اعتقد الناس موجبه، واستدلوا به، وأوردَه شارحُ الطحاوية وغيره، وقد أورده ابنُ كثير في تفسيره لقوله: {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون} فقال: (( وقد روينا في مسند الإمام أحمد بن حنبل حديثاً فيه البشارة لكلِّ مؤمن بأن روحَه تكون في الجنة، تسرَح فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعدَّ اللهُ لها من الكرامة، وهو بإسنادٍ صحيحٍ عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثةٌ من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتَّبعة، فإنَّ الإمام أحمد رواه عن محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك بن أنس الأصبحي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال رسول الله: (نَسَمَةُ المؤمن طائر يعلَّق في شجر الجنة حتى يُرجعه الله إلى جسده يوم يَبعثه) )) [تفسير ابن كثير، ج2، ص164، تـ. السلامة].
3 ـ حديث البراء بن عازب الطويل في نعيم القبر وعذابه الذي وَصف فيه الرسول ما يجري عند الموت حتى البعث، وهو في مسند الإمام أحمد وغيره، ولبعضه شواهد في الصحيح، وقد أورده شارح الطحاوية، وقال عقب إيراده: ((وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث)) [شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، ج2، ص576، تـ. الأرناؤوط].
وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملَكين السائلَين في القبر بمنكر ونكير لم يرد في الصحيحين، وقد اعتقد موجبه أهل السُّنة، وأورده شارح الطحاوية مستدلًّا به. [شرح العقيدة الطحاوية، ج2، ص577].
4 ـ الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره الدال على وزن الأُعمال، وهو حديث البطاقة والسجلّات لم يردْ في الصحيحين، واعتقد أهل السُّنة موجبه، وأورده شارح الطحاوية للاستدلال به على أنَّ ميزان الأعمال له كفَّتان، وعلى وزن صحائف الأعمال، ولا يتَّسع المقام لإيراد الكثير من الأمثلة في ذلك، فأَكتفي بهذا القدر. [شرح العقيدة الطحاوية، ج2، ص465].
ويتلخَّص لنا مما تقدم:
أن صحة الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي (عليه السلام) لا تتوقَّف حصرًا على ورودها في كتابَي الصحيحَين (البخاري ومسلم)، فالأحاديثُ الواردة في السُّنن والمسانيد والأجزاء الحديثية الأخرى، وإن لم تكن موجودةً في الصحيحين، تُقبل ويَحتجُّ بها علماء الحديث، ويعتمدون عليها في الأحكام الشرعية، ويعملون بموجبها، فعلى سبيل المثال، حديث “العشرة المبشَّرين بالجنة”، على الرغم من عدم وروده في الصحيحين، إلا أنّ أهل السُّنة يعتقدون بصحته.
وكذلك حديث “نَسَمة المؤمن كطائرٍ في شجر الجنة”، مع أنه لم يرِد في الصحيحين، إلا أن علماءَ الحديث استدلّوا به، واعتقدوا بموجبه.
وأيضًا حديث البراء بن عازب في نعيم القبر وعذابه، وأحاديثُ أخرى مشابهة في مضمونها، لم ترِد في الصحيحين، لكنَّ أهلَ السنة يعتقدون بصحتها، ويستدلّون بها.
وعليه، ما دامت الأحاديث قد ثبتتْ صحتُها من مصادر موثوقة أخرى، فإنه ينبغي الالتزام بها والعمل بموجبها، سواء وردتْ في الصحيحين أو غيرهما، وهذا يشمل الأحاديث النبوية الشريفة المتعلِّقة بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.