تفاصيل المنشور
- السائل - أمجد المياحي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 18 مشاهدة
تفاصيل المنشور
نرجو منكم تفسير قوله تعالى في سورة يس، الآية 52: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}، عن معنى الرقود هنا، وهل هو فعلًا من آيات إنكار عذاب القبر بدعوى أنّ الإنسان إذا كان يعذَّب في قبره فكيف يكون راقدًا؛ لأنَّ الرقود يعطي معنى الراحة والسكينة، وسؤال أخير: من هم القائلون: هذا ما وعد الرحمن ؟!
السائل
أمجد المياحي
نرجو منكم تفسير قوله تعالى في سورة يس، الآية 52: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}، عن معنى الرقود هنا، وهل هو فعلًا من آيات إنكار عذاب القبر بدعوى أنّ الإنسان إذا كان يعذَّب في قبره فكيف يكون راقدًا؛ لأنَّ الرقود يعطي معنى الراحة والسكينة، وسؤال أخير: من هم القائلون: هذا ما وعد الرحمن ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
المراد بالمرقد في الآية الكريمة الممات، وهو استعمال على نحو الاستعارة؛ إذ شبّه حال موتهم بحال نومهم؛ لأنّ حالة النوم هي أشبه الأشياء بحالة الموت، وكذلك يوجد تشيبهٌ آخر متداول هو تشبيه حال الإحياء والنشور بحال الاستيقاظ. جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ((والذي بعثني بالحقّ لتموتنَّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون)) [الوافي، للكاشاني، ج25، ص598].
وفي “تلخيص البيان في مجازات القرآن” للشريف الرضي: ((قال بعضهم: إنّ الاستعارة هنا أبلغ من الحقيقة؛ لأنّ النوم أكثر من الموت، والاستيقاظ أكثر من الإحياء بعد الموت؛ فالإنسان الواحد يتكرر عليه النوم واليقظة مرات، وليس كذلك حال الموت والحياة)) [تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص275].
أمّا أنّ هذه الآية تنفي عذاب القبر بدعوى أنّه لو كان الكافر معذّبًا في قبره فكيف يكون راقدًا؛ لأنَّ الرقود يعطي معنى الراحة والسكينة، قنقول: عذاب القبر ثابتٌ بدليلي القرآن والسنّة، فلا مجال لإنكاره، وعليه ينبغي الجمع بينه وبين ما ينافيه ظاهرًا من آيات وروايات، هكذا تقتضي صناعة الجمع بين الأدلة عند أهل العلم.
ومقتضى الجمع بين الآية – مورد الكلام – وثبوت عذاب القبر أن يكون المراد منها أحد احتمالين: الأوّل: أنّه لشدّة هول يوم القيامة وذهولهم وفزعهم ممّا يرونه فيه اعتبروا ما عانوه من عذاب البرزخ كأنّه أشبه بالرقاد المريح لهم.
الثاني: أنَّ عذاب القبر ينقطع لفترة، ولا يتصل بيوم البعث.
وكلا الاحتمالين أشار إليه المفسّرون في تفاسيرهم:
قال الشيخ الطوسي في “التبيان”: ((فإنْ قيل: هذا ينافي قول المسلمين الذين يقولون: الكافر يعذَّب في قبره؛ لأنّه لو كان معذبًا لما كان في المنام!.
قيل: يحتمل أنْ يكون العذاب في القبر، ولا يتصل إلى يوم البعث، فتكون النومة بين الحالين. يحتمل لو كان متصلًا أن يكون ذلك عبارة عن عِظَم ما يشاهدونه، ويحضرون فيه يوم القيامة، فكأنّهم كانوا قبل ذلك في مرقدٍ، وإن كانوا في عذابٍ لما كان قليلًا بالإضافة إلى الحاضر)) [التبيان في تفسير القرآن، ج8، ص467].
وعن الطبري في تفسيره: ((قوله: قالوا: “يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون”، يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لمّا نُفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة، فردّت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومةٍ ناموها: يا ويلنا، من بعثنا من مرقدنا، وقد قيل: إنّ ذلك نومةٌ بين النفختين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)) [تفسير الطبري، ج23، ص20].
وعن البغوي في تفسيره: ((قال أهل المعاني: إنّ الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم، فقالوا: يا ويلنا، من بعثنا من مرقدنا)) [تفسير البغوي، ج4، ص15].
أمّا قوله تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ}، فقد تعدّدت الأقوال فيه على أربعة أقوال:
الأول: أنّه حكايةٌ عن قول المؤمنين.
الثاني: أنّه قول الكافرين.
الثالث: أنه قول الملائكة.
الرابع: أنه جواب من الله عزّ وجل.
وقد ذكر هذه الأقوال جمعٌ من المفسّرين في كتبهم. [انظر: التبيان للطوسي، ج8، ص467؛ والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج15، ص42].
واستظهر بعضهم – كالطوسي والطباطبائي – أنّه قول الكافرين، لظاهر الآيات، قال السيد الطباطبائي في “الميزان” : ((يظهر أنّ قوله: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} إلخ، وقوله: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} إلخ. من قولهم [أي قول الكافرين].
وقيل: قوله: “وصدق المرسلون” عطف على مدخول “ما”، و “ما” موصولة أو مصدرية و”هذا ما وعد الرحمن” إلخ جوابٌ من الله أو من الملائكة أو من المؤمنين لقولهم: “من بعثنا من مرقدنا”؟
وغير خفي أنّه خلاف الظاهر، وخاصّة على تقدير كون “ما” مصدرية، ولو كان قوله: “هذا ما وعد الرحمن” إلخ. جوابًا من الله أو الملائكة لقولهم: “من بعثنا من مرقدنا” لأجيب بالفاعل دون الفعل؛ لأنّهم سألوا عن فاعل البعث! وما قيل: إنّ العدول إليه لتذكير كفرهم وتقريعهم عليه مع تضمنه الإشارة إلى الفاعل هذا. لا يغني طائلًا)) [الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص100].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.