مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

آلُ محمدٍ هم الراسخون في العلم

تفاصيل المنشور

الاشكال

ما دليلكم على أنّ أئمتكم هم الراسخون في العلم في قوله تعالى: {الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ} [آل عمران:7].

المستشكل

منتصر أحمد

تفاصيل المنشور

الاشكال

ما دليلكم على أنّ أئمتكم هم الراسخون في العلم في قوله تعالى: {الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ} [آل عمران:7].

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

في بادئ الأمر نبيِّن المراد من الرسوخ في العلم، ثمّ نعرِّج على بيان مصاديق الآية الكريمة، قال الراغب الأصفهاني في ” المفردات “: ((رُسُوخُ الشيء: ثباته ثباتًا متمكَّنًا، ورَسَخَ الغدير: نضب ماؤه، ورَسَخَ تحت الأرض، والرَّاسِخُ في العلم: المتحقِّق به، الذي لا يعرضه شبهة. فَالرَّاسِخُونَ في العلم هم الموصوفون بقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِالله ورَسُولِه ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا} [الحجرات:15]، وكذا قوله تعالى: {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} [النساء :162])). [مفردات ألفاظ القرآن، ص352].

وبعد أن اتّضح المقصود من الرسوخ في العلم، نأتي لتطبيق هذا المعنى الذي يكون مصداقه: «المتحقّق به،  الذي لا يعرضه شبهة»، و«المؤمن الذي لا تدخله ريبة مطلقًا»،  فلا نجده ينطبق على أحدٍ في الأمّة سوى أئمة العترة الطاهرة، فهم الذين جاء فيهم النصُّ النبويّ الصحيح الصريح مؤكِّدًا على أنّهم لا يرتابون أبدًا، وأنَّ المتّبِع لهم لن يضلّ أبدًا، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) [مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني، رقم الحديث: 1726- 2458].

وفي نصٍّ نبويٍّ آخر، صححه شعيب الأرناؤوط، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: ((إني تاركٌ فيكم خليفتين: كتاب الله، حبلٌ ممدودٌ ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض)). [صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1، ص482، مسند أحمد بن حنبل، برقم:21654].

قال التفتازاني بعد ذكر الحديث: ((أ لا يرى أنّه صلى الله عليه وسلم قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسّك بهما منقذًا عن الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلّا الأخذ به بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة)) [شرح المقاصد، ج3، ص529].

وقال الدهلوي في “التحفة الاثنا عشرية”: ((هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابتٌ عند الفريقين: أهلِ السُّنّة والشيعة، وقد عُلم منه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، أمرنا في المقدّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمي القدر، والرجوع إليهما في كلّ أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الأُمور الشرعية اعتقادًا وعملًا فهو ضال، ومذهبه باطلٌ لا يُعبأ به، ومن جحد بهما غوى، ووقع في مهاوي الرّدى)) [انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص52].

وقال السندي في شرحه للحديث في كتابه “دراسات اللبيب”: ((وفيه مِن تأكُّد أخبار كونهم على الحقّ كالقرآن وصونهم أبدًا عن الخطأ كالوحي المنزَّل ما لا يَخفى على الخبير)) [دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب، ص233].

وقال الحكيم الترمذي في شرح الحديث: ((حضَّ على التمسّك بهم؛ لأنَّ الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة)) [فيض القدير، ج2، ص220].

فأئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم عدل القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومَن كان عدلَ القرآن، لا يفارقه، ولا يفترق عنه، فهو معصومٌ من الزلل والخطأ، ويكون محيطًا بكلّ علومه، خاصِّها وعامِّها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، مجملها ومبيَّنها.

وقد شهدتْ بهذا الأمر النصوصُ الصحيحة التي روتْها كتبُ أهل السُّنّة قبل الشيعة، فقد روى ابن عبد البر في كتابه “جامع بيان العلم” أنَّ أمير المؤمنين عليًّا (عليه السلام) كان يقف على المنبر، ويقول: ((سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلّا حدّثتُكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم بليلٍ نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل)) [جامع بيان العلم، ج1، ص464].

وفي مسند أحمد بن حنبل، يذكر – بٍإسناد صحيحٍ – تأبينَ الإمام الحسن (عليه السلام) لأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول: ((لقد فارقكم رجلٌ بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلمٍ، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبعثه بالراية جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتّى يفتح له)) [مسند أحمد، ج3، ص168، تحقيق أحمد محمّد شاكر].

 وفي خطبةٍ له (عليه السلام) في “نهج البلاغة” يذكر فيها فضل أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، فيقول: ((أين الّذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا، كذبًا وبغيًا علينا، أنْ رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهدى، ويُستجلى العمى، إنّ الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم)).

وفي موضعٍ آخر يقول: ((فيهم كرائم القرآن، وكنوز الرحمن، إنْ نطقوا صدقوا، وإنْ صمتوا لم يسبقوا)) [يُنظر: نهج البلاغة، تحقيق وتعليق الشيخ محمد عبدة، ج2: 27، ج1، ص189].

وجاء في “الكافي” بسندٍ صحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ((نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله)) [الكافي، ج1، ص213].

وفي “بصائر الدرجات” روى الصفار بسندٍ صحيحٍ عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ((يا أبا الصباح، نحن قومٌ فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفْو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِه})) [بصائر الدرجات، ص22].

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.