مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

محمدٌ وآل محمدٍ هم محورُ الكون كلّه والسرُّ في خلقه

تفاصيل المنشور

السؤال

يوجد حديث يقول: إنّ الله سبحانه لم يخلق سماءً مبنيّة ولا فلكًا يدور، إلّا لأجل محمّد وآل محمّد. الإشكال الأول: هل المقصود بالكون هو الفلك الذي نحن فيه أو يشمل أبعادًا أخرى؟  الإشكال الثاني: هل من المعقول أن الله سبحانه خلق الكون لأجل هؤلاء الطاهرين، وجلس دون فعلِ شيءٍ في خلقه؛ لكونهم يمتلكون ولايةً يتحكمون فيها بذرات الكون؟

السائل

رحيم الياسري

تفاصيل المنشور

السؤال

يوجد حديث يقول: إنّ الله سبحانه لم يخلق سماءً مبنيّة ولا فلكًا يدور، إلّا لأجل محمّد وآل محمّد. الإشكال الأول: هل المقصود بالكون هو الفلك الذي نحن فيه أو يشمل أبعادًا أخرى؟  الإشكال الثاني: هل من المعقول أن الله سبحانه خلق الكون لأجل هؤلاء الطاهرين، وجلس دون فعلِ شيءٍ في خلقه؛ لكونهم يمتلكون ولايةً يتحكمون فيها بذرات الكون؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
الإجابة عن الاستفهام بشأن المقصود بالكون هي:
أنه قد فَسّر الحديثُ نفسُه المرادَ من الكون بالسماء المبنيّة والأرض المدحيّة والقمر المنير والشمس المضيئة … إلخ، فالكون هو كلّ ما هو كائنٌ وموجود في حدود المكان والزمان.
والإجابة عن الاستفهام بشأن معقوليّة خلق الله للكون لأجل محمدٍ وآل محمد (صلوات الله عليهم):
أما من حيث الإمكان فهو ممكن؛ إذ لا يوجد ما هو ممتنع عقلًا ونقلًا أنْ يخلق اللهُ عزّ وجل شيئًا ما لأجل شخصٍ أو أشخاص، فهو على مباني أهل السنّة الكلامية ممكن جدًّا، فالملك كلّه لله، وله أنْ يخلق ما يشاء لمن يشاء: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، وعلى مباني الشيعة الإمامية أنّ الخالق حكيمٌ، فالخلق لا بدّ أن يكون لحكمةٍ، فالموضوع لا يرتبط بالذوات على أنهم ذوات، وإنّما يرتبط بالعناوين التي تحملها هذه الذوات؛ لذا فهو ممكن جدًّا من هذه الناحية.
وأمّا من حيث الوقوع فقد ثبتت محوريّة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلق الكون عند الفريقين، فقد جاء عن ابن حجر الهيتمي قوله: ((وممّا صحّ عند الحاكم أيضًا عن ابن عباس، قال: “… فلولا محمد ما خَلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنّة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء، فاضطرب، فكتبت عليه “لَا إلَهَ إلّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ” فسكن)) [الفتاوى الحديثية، ص455].
وجاء عن الفخر الرازي في ذيل تفسيره لقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6]: ((فيقول اللهُ: حين كنتَ صبيًّا ضعيفًا ما تركناك، بل ربّيناك، ورقّيناك إلى حيث صرت مشرفً،ا على شرفات العرش وقلنا لك: لولاك ما خلقنا الأفلاك، أ تظن أنّا بعد هذه الحالة نهجرك ونتركك)) [مفاتح الغيب، ج31، ص196].
وفي مرويّات الشيعة الإمامية، روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في “معاني الأخبار” عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((فلمّا أسكن اللهُ عز وجل آدم وزوجته الجنة قال لهما: ” كلا منها رغدًا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة – يعني شجرة الحنطة – فتكونا من الظالمين” فنظرا إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم، فوجداها أشرف منازل أهل الجنة، فقالا: يا ربنا لمن هذه المنزلة؟ فقال الله جلّ جلاله: ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي، فرفعا رؤوسهما، فوجدا اسم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنورٍ من نور الجبار جلّ جلاله، فقالا: يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبهم إليك، وما أشرفهم لديك! فقال الله جلّ جلاله: لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزَنة علمي، وأُمنائي على سرّي)) [معاني الأخبار، ص109].
وهذا المعنى من المحورية للإنسان – ومصاديقُه العظمى النبي محمّد وأهل بيته الطيبون الطاهرون – نصّت عليه الآيات القرآنية بنحوٍ واضح وصريح، يقول تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:13]، ويقول تعالى: {سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم:32].
وباستدلال قرآني: الله خلق الخلق لأجل العبادة، يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، والكون كلّه مسخّر للإنسان – كما نصّت عليه الآيات المتقدّمة – حتّى يحصل الغرض من هذه العبادة، وطريق العبادة لا يكون إلّا عبر الإيمان بمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، فكانوا بالنتيجة هم محور الكون كلّه والسرّ في خلقه.
فالقول بأنه: إذا كان الله خلق الخلق لأجل هؤلاء الأشخاص فلا يبقى له عملٌ يقوم به في مخلوقاته، والأئمة يتصرفون بالخلق بولايتهم التكوينية جهل محضٌ بموضوع الولاية التكوينية أوّلًا، وجهل في طريقة إدارة الخلق والكون ثانيًا.
فالولاية التكوينية تعني أنّ الله سبحانه وتعالى يمنح النبي أو الولي القدرة على التصرف في الظاهرة الكونية بخلاف نظام العلِّية المتعارف، وذلك كما في إعطاء القدرة لنبي الله داود (عليه السلام) في تليين الحديد بيديه المجردتين وعمل دروع سابغات يعتاش منها.
قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ:10-11].
قال ابن كثير في “البداية والنهاية”: ((وأما إلانة الحديد بغير نارٍ كما يليِّن العجينَ في يده، فكان يصنع هذه الدروع الداودية، وهي الزرديات السابغات، وأمره الله تعالى بنفسه بعملها، «وقدر في السرد» أي ألا يدق المسمار، فيعلق، ولا يعظله، فيقصم، كما جاء في البخاري)) [البداية والنهاية، ج6، ص318].
وأيضًا كما في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص لنبي الله عيسى (عليه السلام)، قال تعالى حكاية عن عيسى (عليه السلام): {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله} [آل عمران:49].
فالولاية التكوينية هي قدرةٌ إعجازية يمنحها المولى سبحانه لأنبيائه وأوليائه، وتكون بإذنه وإرادته، فهي ليست تصرفًا مستقلًا من الأنبياء والأولياء، بل هي قدرة إعجازية تمنح منه سبحانه لإثبات نبوة أنبيائه وبيان فضلهم، والجمع بين الآيات في مفروض السؤال واضح، كما في قوله تعالى: {لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، وقوله جل وعلا: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله} [آل عمران:49]، بأن خلق عيسى (عليه السلام) للطير من الطين هو بإذن الله وإرادته، فهو بالنتيجة خلقٌ لله، ولكن بواسطة عيسى (عليه السلام).
وهذه الولاية التكوينية قد تمنح للمتقين أيضًا من الناس تفضلًا منه سبحانه، كما هو مقتضى الحديث الصحيح الوارد في البخاري وغيره: ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه)) [صحيح البخاري، ج7، ص190]، ورواه بلفظه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي، الحديث السابع، بسنده عن الصادق جعفر بن محمد عن جده رسول الله صل الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل. [الكافي، ج2، ص352].
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ((وقد جاء في الأثر: يا عبدى، أنا أقول للشيء: كن، فيكون، أطعني أجعلْك تقول للشيء: كن، فيكون. يا عبدى، أنا الحيّ الذى لا يموت، أطعني أجعلك حيًّا لا تموت. وفي أثرٍ أنّ المؤمن تأتيه التحف من الله، من الحي الذى لا يموت إلى الحي الذى لا يموت، فهذه غاية ليس وراءها مرمى. كيف لا؟ وهو بالله يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي، فلا يقوم لقوته قوة)) [مجموع الفتاوى، ج4، ص377].
وقال ابن تيمية في كتابه “النبوات”: ((فإذا كان آية نبيٍّ إحياء الله الموتى لم يمتنع أن يحيي الله الموتى لنبي آخر، أو لمن يتبع الأنبياء كما قد أحيي الميت لغير واحد من الأنبياء ومن تبعهم، وكان ذلك آية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة مَن قبله إذا كان إحياء الموتى مختصًّا بالأنبياء وأتباعهم)).
وقال في الكتاب نفسه: ((فإنّه لا ريب أنّ الله خصّ الأنبياء بخصائص لا توجد لغيرهم، ولا ريب أنّ من آياتهم ما لا يقدر أن يأتي به غير الأنبياء، بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الأنبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البحر، فإنّ هذا لم يكن لغير موسى وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد من الأنبياء، وكالناقة التي لصالح، فإنّ تلك الآية لم يكن مثلها لغيره، وهو خروج ناقةٍ من الأرض بخلاف إحياء الموتى، فإنّه اشترك فيه كثير من الأنبياء بل ومن الصالحين)) [النبوات، ص218].
فتلخص مما تقدم:
1 – المقصود بالكون هو كل ما هو كائن وموجود في حدود المكان والزمان.
2 – من الناحية العقلية والشرعية، يعدُّ خلق الله للكون لأجل النبي محمد وآل محمد ممكنًا.
3 – ثبوت محورية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلق الكون عند الفريقين، وهناك أقوال وروايات تدعم هذا الأمر.
4 – الكون مسخَّر للإنسان، والغرض من الخلق هو العبادة، وطريق العبادة لا يكون إلّا عبر الإيمان بمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، فكانوا بالنتيجة هم محور الكون كلّه والسرّ في خلقه.
5 – الولاية التكوينية هي قدرة إعجازيةٌ يمنحها الله لأنبيائه وأوليائه لإثبات نبوّتهم وبيان فضلهم.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.