مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لسان الروايات وأقوال العلماء في ذم التقليد في أصول الدين لا فروعه

تفاصيل المنشور

الاشكال

ورد في بعض الرِّوايات ذمِّ التّقليد فكيف تقولون بلزوم التّقليد ووجوبه، فقد ورد ذمِّ التّقليد في بعض الرِّوايات، كهذه الرِّواية التي رواها الشّيخ المفيد، قال: وقال (عليه السَّلام): ((وإيّاكم والتّقليد، فإنّه مَن قلَّدَ في دينه هلكَ، وإنَّ الله تعالى يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، فلا والله ما صلّوا لهم ولا صاموا، ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً، وحرَّموا عليهم حلالاً، فقلّدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون))( تصحيح اعتقادات الإماميّة ص 72). وقال أيضاً: (التّقليد مذمومٌ باتّفاق العلماء ونصَّ القرآن والسنّة) وكذلك قال الشّيخ الطوسيّ، والمحقَّق الحليّ.

المستشكل

إسماعيل أبو مروة

تفاصيل المنشور

الاشكال

ورد في بعض الرِّوايات ذمِّ التّقليد فكيف تقولون بلزوم التّقليد ووجوبه، فقد ورد ذمِّ التّقليد في بعض الرِّوايات، كهذه الرِّواية التي رواها الشّيخ المفيد، قال: وقال (عليه السَّلام): ((وإيّاكم والتّقليد، فإنّه مَن قلَّدَ في دينه هلكَ، وإنَّ الله تعالى يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، فلا والله ما صلّوا لهم ولا صاموا، ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً، وحرَّموا عليهم حلالاً، فقلّدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون))( تصحيح اعتقادات الإماميّة ص 72). وقال أيضاً: (التّقليد مذمومٌ باتّفاق العلماء ونصَّ القرآن والسنّة) وكذلك قال الشّيخ الطوسيّ، والمحقَّق الحليّ.

بسمه تعالى

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

موضوع التقليد موضوعٌ ثابت وراسخٌ، تدلُّ عليه أدلّة كثيرة توجبه وتجعل عمل المكلَّف من دون تقليد واتّباع لمرجع من مراجع الدّين عملاً باطلاً وغير مقبول. 

وهذا المعنى ـ أي وجوب التقليد ـ نقوله لمن لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد ولم يقدر على الاحتياط في عباداته ومعاملاته. 

والتقليد في اللغة: من القلادة، ومعناه: جعلها في عنق الغير. 

وأما اصطلاحاً فهو: الأخذ بفتوى الغير وتعلُّمها للعمل بها، أو هو: الاستناد إلى فتوى الغير في مقام العمل. 

ولعلِّ التعريف الثّاني هو الأنسب للمعنى اللّغويّ؛ لأنَّ المقلَّد هو مَن يجعل القلادة في عنق الغير، والعاميُّ عندما يقلَّد المجتهدَ الجامعَ للشّرائط فهو يجعله مسؤولاً عن صحّة عمله أمام الله عزَّوجلَّ، ويجعل هذا العمل في عنق المجتهد، وهذا لا يتحقّق إلاّ بنفس العمل.

والمُلاحَظ على الرَّواية التي ذكرها المستشكل عدة أمور: 

1: أنّها محذوفة الإسناد، فهي مرسلةٌ من هذه النّاحية، ولا حجيّة للمرسَل فقهاً. 

2: لقد وردت عدّة روايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) حول تفسير الآية الكريمة الواردة في هذه الرِّواية، وبعضُها معتبرٌ، لم يرد فيها شيءٌ من التّعبير بالتّقليد الذي أورده الشّيخ المفيد (قُدَّس سرُّه)، ولعلّه نقل بالمعنى؛ لِمَا شاع في زمان المفيد عن التّقليد المذموم في العقائد. 

3: ولو سلَّمنا أنّها تتناول التّقليد في الفروع ـ الحلال والحرام ـ، فإنّها تذمُّ تقليدَ من ليس مؤهَّلاً للإفتاء من الّذين يستقون علومَهم ومعارفهم من غير أئمّة أهل البيت (عليهم السَّلام).

فما قاله الشيخ المفيد فهذا نصه: ((لا يصحّ النهي عن النّظر؛ لأنّ في العدول عنه المصير إلى التّقليد، والتّقليد مذمومٌ باتّفاق العلماء ونصَّ القرآن والسنّة)) [تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 72]. 

وما قاله الشّيخ الطوسيّ فهذا نصه: ((فإنْ قيل: أين أنتم عن تقليد الآباء والمتقدَّمين؟ قلنا: التّقليد إن أُريد به قبول قول الغير من غير حجة ـ وهو حقيقة التّقليد ـ فذلك قبيح في العقول)) [الاقتصاد، ص10]. 

وما قاله المحقَّق الحليّ فهذا نصه أيضاً: (إنَّ التّقليد قبول الغير من غير حجّة، فيكون جزماً في غير موضعه، وهو قبيحٌ عقلاً) [معارج الأصول، ص166].

وكلُّ هذه الأقوال وأمثالها إنَّما تتحدّث عن ذمِّ التّقليد في أصول الدّين لا فروع الدّين، وإلا فنفس هؤلاء العلماء الأعلام عندهم رسائل عمليّة أفتوا فيها للنّاس بمختلف الأحكام الفقهيّة، وكانوا مراجع تقليدٍ في زمانهم، فافهم وتدبر.

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.