مركز الدليل العقائدي

قتل الغلام في قصّة موسى والخضر

تفاصيل المنشور

السؤال

السؤال بخصوص قصة النبي موسى والخضر والأحداث التي حصلت وبالأخص قتل الطفل وهو غير بالغ .. سؤالي : يوجد الكثير من الأطفال العاقين ..ليش بس هذا انقتل وشلون يتعاقب بالقتل قبل أن يذنب ؟!!

السائل

احمد سالم

تفاصيل المنشور

السؤال

السؤال بخصوص قصة النبي موسى والخضر والأحداث التي حصلت وبالأخص قتل الطفل وهو غير بالغ .. سؤالي : يوجد الكثير من الأطفال العاقين ..ليش بس هذا انقتل وشلون يتعاقب بالقتل قبل أن يذنب ؟!!

الأخت رحمة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

توجد عدّة بيانات في تفسير الآيات الواردة فيما يتعلّق بقتل الخضر ( عليه السلام ) للغلام واعتراض نبي الله موسى ( عليه السلام ) على ذلك بقوله : { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا }سورة الكهف : 74، ومن المعلوم أنّ تفسير القرآن الكريم بما يرفع التنافي ويحلّ الإشكالات الظاهرة استناداً إلى اللغة والقرآن الكريم الروايات الصحيحة وقواعد الجمع العرفي هو أفضل الطرق لبيان ماورد في كتاب الله العزيز .. وأفضل ما يمكن تفسيره لهذه الواقعة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم وبما يدفع الاعتراضات الواردة عليها من أنّه كيف يقتل الخضر عليه السلام غلاماً لم يبلغ الحلم ( طفلاً على حدّ تعبيركم ) ؟ ولو سلّم أنّه لم يكن طفلاً فكيف يقتله قبل ارتكاب الجناية بدليل اعتراض موسى ( عليه السلام ) فيما تقدّم من كلامه ؟ وأخيراً لو سلّمنا باستحقاقه للقتل فلماذا يختصّ هذا الغلام بالقتل بسبب عقوقه لأبويه فما أكثر العاقين لآبائهم ، وهل يصحّ قتل كلّ عاقٍ لأبويه ؟!

هذه الأسئلة الثلاثة سنجيب عليها تباعاً بإذن الله :

أمّا جواب السؤال الأوّل ( كيف يقتل الخضر عليه السلام غلاماً لم يبلغ الحلم ؟) ، نقول: تطلق كلمة الغلام في اللغة على الذكر الصغير الذي لم يبلغ الحلم كما تطلق على البالغ أيضاً ، جاء في “المصباح المنير”: قال الأزهري: وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكراً: غلام، وسمعتهم يقولون للكهل: غلام. وهو فاش في كلامهم (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير2: 452).

وفي ” لسان العرب ” لابن منظور : والعرب يقولون للكهل غُلامٌ نَجيبٌ ، وهو فاشٍ في كلاهم ( لسان العرب 12 : 440).

والدليل على كون الغلام المذكور في قصّة الخضر ( عليه السلام ) شاباً بالغاً وليس طفلاً صغيراً ماجاء في القرآن الكريم نفسه ، فقد اعترض نبي الله موسى ( عليه السلام ) على الخضر لقتله هذا الغلام بقوله : { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ }، وهذا التعبير لا يصحّ إذا كان المقتول طفلاً صغيراً ؛ لأنّ الطفل الصغير لا يصحّ قتله في الشريعة سواءً ارتكب جريمة قتل أم لم يرتكبها، وإنّما القصاص وقتل النفس بالنفس يصحّ بحقّ العاقل البالغ دون غيره .

وإلى هذا المعنى في بيان الآية الكريمة أشار جملة من الأعلام في كلماتهم :

جاء عن السرخسي في كتابه ” المبسوط ” : (( وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنّ ذلك الغلام الذي قتله عالم موسى كان بالغاً فقد كان عاقلاً مميزاً والبلوغ في ذلك الوقت كان بالعقل )) ( المبسوط 10: 30).

وجاء في تفسير ” مجمع البيان ” للطبرسي : (( وقال الأصم : كان شاباً بالغاً لأنَّ غير البالغ لا يستحق القتل ، وقد يسمّى الرجلُ غلاماً ، قالت ليلى الأخيلية :

شفاها من العضال الذي بها غلام إذا هزّ القناة سقاها )) ( مجمع البيان 6: 369).

وأمّا جواب السؤال الثاني ( لو سلّمنا أنّه لم يكن طفلاً صغيراً فكيف يقتله الخضر قبل ارتكابه للجناية ؟) ، نقول: الغلام كان كافراً ، وكان يرهق أبويه بالكفر والاستكبار على الله ، قال الطبري في تفسيره : (( يقول تعالى ذكره : وأما الغلام ، فإنّه كان كافرا ، وكان أبواه مؤمنين ، فعلمنا أنّه يرهقهما . يقول : يغشيهما طغيانا ، وهو الاستكبار على الله ، وكفراً به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل – ثمّ ذكر جملة من أقوال الصحابة والتابعين في هذا الجانب – )) ( جامع البيان للطبري 16: 5).

فبحسب ما أفاده الطبري هنا وما نقله – في تفسيره – من المأثور عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين ، وما جاء في مروياتنا بأنّ هذا الغلام كان كافراً ( كما في تفسير العياشي للآيات الكريمة المتعلّقة بالحادثة ) ، يستفاد منه أنَّ هذا الغلام البالغ لم يكن بريئاً وإنّما كان يرتكب جرماً بحقّ أبويه .

يقول الشيخ مغنية في تفسيره الكاشف : (( روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّ الغلام كان في سن البلوغ ، وكان كافراً ، وأنّه كان يعمل جاهداً لحمل أبويه على الكفر ، تماماً كما يفعل الآن بعض الشباب من غلمان هذا العصر . . وقد أدركنا أكثر من واحد من كبار العلماء بالدين كانوا محل الثقة والتقديس في جميع الأوساط ، حتّى إذا بلغ غلمانهم هدموا كلما بناه الآباء في السنين الطوال . . واشتهر عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنّه قال : « ما زال الزبير معنا حتّى أدرك فرخه عبد اللَّه » )) ( التفسير الكاشف 5: 150).

وهاهنا سؤال : ما هي جريمة عقوق الأبوين في الشريعة ، خاصّة الشريعة الموسوية ؟!

الجواب : لقد جاءت جملة من النصوص في التوراة ( العهد القديم ) تشير إلى أنّ عقوبة عقوق الأبوين في شريعة موسى ( عليه السلام ) هي القتل .

منها هذا النصّ في سفر التثنية : إذا كان لرجل ابنٌ معاند ومارد لا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمّه ويؤدّبانه فلا يسمع لهما . . يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه .. ويقولان لشيوخ مدينته : ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير .. فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت .انتهى

ومنها هذا النصّ في سفر اللاويين : كلّ إنسان سبّ أباه أو أمّه فإنّه يُقتل . انتهى

وقد تسأل : وهل هذه النصوص من التوراة هي نصوص صحيحة ، فالمعلوم أنّ التوراة قد أصابها التحريف والزيادة والنقيصة ؟

الجواب : إذا طابق الموجود في التوراة ما هو موجود في القرآن الكريم فهو نصّ صحيح وإلّا فإثبات الصحّة محلّ إشكال، وهنا نجد هذه النصّوص التوراتية قد وافقت الموجود في القرآن الكريم من قتل هذا الغلام العاقّ لأبويه ، والقصاص تمَّ زمان موسى ( عليه السلام ) وشريعته ، فيكون النصّ المذكور نصّاً صحيحاً .

وبلحاظ ما تقدّم من الجواب على هذا السؤال – الثاني – يتضّح لنا أنّ الخضر ( عليه السلام ) لم يخالف شريعة موسى ( عليه السلام ) وأحكامها في قتل هذا الغلام ، وإنّما كان يطبّق حكما شرعيا قد جاءت به شريعة موسى نفسها ، وإنّما الفارق بين الخضر وموسى في القضية هو في علم الأوّل بالجريمة وجهل الثاني بها ، ولهذا عندما أعلم الخضر ( عليه السلام ) موسى عن سبب قتله لهذا الغلام وأنّه عاق لأبويه سكت موسى ( عليه السلام ) ولم يعترض على الخضر بشيء .

وقد تسأل : لكن الخضر ( عليه السلام ) قتل الغلام من دون بيّنة ، فهل يصحّ تنفيذ القصاص من دون بيّنة ؟

الجواب : قد يأذن الله سبحانه لأنبياءه وأولياءه أحياناً تنفيذ الأحكام مباشرة من دون بيّنات ، كما حصل لنبي الله داود ( عليه السلام ) حين أوحى الله إليه بقتل أحد المتخاصمين من دون بيّنة من الطرف الآخر ، فاعترض الرجل الذي وقع القصاص عليه من داود ( عليه السلام ) وقال له : أتقتلني بغير بيّنة ؟! قال داود : نعم والله لأنفذنَّ أمر الله فيك، فلمّا عرف الرجل أنّه قاتله قال له لا تعجل حتّى أخبرك ، فأخبره أنّه قد ارتكب ذنباً يستحق القتل فعلاً ( راجع : تفسير الطبري 23: 165، وتفسير ابن أبي حاتم 10 : 3238، وتفسير البغوي 4: 52، وفتح القدير للشوكاني 4: 428).

أمّا جواب السؤال الثالث ( لماذا يختصّ هذا الغلام بالقتل بسبب عقوقه لأبويه فما أكثر العاقين لآبائهم ، وهل يصحّ قتل كلّ عاقٍ لأبويه ؟!) ، نقول : قد اتّضح – مّما تقدّم – أنّ القتل هو العقوبة الواردة في شريعة نبي الله موسى ( عليه السلام ) بحقّ من يعقّ أبويه ، وبالتالي فالخضر ( عليه السلام ) كان ينفّذ حكما شرعياً موجودا في شريعة موسى نفسها ، غاية الأمر أنّ موسى ( عليه السلام ) قد غابت عنه جريمة الغلام وعلمها الخضر ( عليه السلام ) دونه فنفّذ الخضر حكم الله فيها حسب الشريعة الموجودة آنذاك .

ودمتم سالمين