تفاصيل المنشور
- المستشكل - عبد الكريم اليمني
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 13 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل هذا الحدث التاريخي المنقول عن الإمام الحسن قُصد به أن عائشة جمعت أموالًا من فعل الفاحشة؟! .. البرسي في [كتاب] مشارق الأنوار قال: لما قدم الحسن بن علي عليهما السلام من الكوفة جاءت النسوة يعزينَه بأمير المؤمنين (عليه السلام) ودخلت عليه أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت عائشة: يا أبا محمد ما فقد جدك إلا يوم فقد أبوك. فقال لها الحسن (عليه السلام): نسيتِ نبشك في بيتك ليلًا بغير قبسٍ بحديدة – حتى ضَربتِ الحديدة كفَّك، فصارت جرحًا إلى الآن – تبغين جرارًا خضرًا فيها ما جمعت من خيانةٍ حتى أخذتِ منها أربعين دينارًا عددًا لا تعلمين لها وزنًا، وتفريقها في مبغضي علي من تيم وعدي قد تشفيت بقتله!! فقالت: قد كان ذلك.
المستشكل
عبد الكريم اليمني
هل هذا الحدث التاريخي المنقول عن الإمام الحسن قُصد به أن عائشة جمعت أموالًا من فعل الفاحشة؟! .. البرسي في [كتاب] مشارق الأنوار قال: لما قدم الحسن بن علي عليهما السلام من الكوفة جاءت النسوة يعزينَه بأمير المؤمنين (عليه السلام) ودخلت عليه أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت عائشة: يا أبا محمد ما فقد جدك إلا يوم فقد أبوك. فقال لها الحسن (عليه السلام): نسيتِ نبشك في بيتك ليلًا بغير قبسٍ بحديدة – حتى ضَربتِ الحديدة كفَّك، فصارت جرحًا إلى الآن – تبغين جرارًا خضرًا فيها ما جمعت من خيانةٍ حتى أخذتِ منها أربعين دينارًا عددًا لا تعلمين لها وزنًا، وتفريقها في مبغضي علي من تيم وعدي قد تشفيت بقتله!! فقالت: قد كان ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
لم نعثر على هذا الحديث في غير هذا المصدر، وهو مرسل، وقد صرح العلامة المجلسي (ره) في مقدمة موسوعته “بحار الأنوار”، بعدم اعتبار متفردات الشيخ البرسي صاحب كتاب “مشارق الأنوار”، فقال ما نصُّه: ((وكتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي، ولا أعتمد على ما يتفرّد بنقله، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع…)) [بحار الأنوار، ج٣٢، ص٢٧٦].
وقال الشيخ الحر العاملي صاحب الوسائل في ”أمل الآمل” في ترجمته: ((كان فاضلًا محدثًا شاعرًا منشئًا أديبًا، له كتاب مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين، وله رسائل في التوحيد وغيره، وفي كتابه إفراط، وربما نُسب إلى الغلوّ، وأَورد فيه لنفسه أشعارًا جيدة(( ((أمل الآمل، الحر العاملي، ج٢، ، ص١١٧].
ويمكن أن يقال: إن كتاب “مشارق الأنوار” قد تعرض للدسّ والتزوير، وهذا ما صرّح به العلامة آغا بزرك الطهراني في “الذريعة”، حيث قال: ((ورأيت نسخة منه بخط جلال الدين بن محمد، كتبها في كاشان في محاق ذي القعدة 1008، ولكن بينها وبين المطبوع اختلافات كثيرو وزيادات كثيرة واختلافات في العبارة بحيث يعد كتابين)) [الذريعة، الطهراني، ج٢١، ص٣٦].
هذا، وبِغضِّ النظر عن جميع ما تقدم، فليس المقصود من لفظ “خيانة” في الرواية الزنا كما هو المتوهَّم؛ لما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قولُه: ((ما بغت زوجةُ نبيٍّ قطّ)) [تفسير مجمع البيان، ج١٠، ص٦٤].
فالخيانة هي انتهاكٌ للأمانة بخرق العهد، أو النفاق والتظاهر، قال الراغب في مفرداته: ((الخيانة والنفاق واحدٌ إلا أن الخيانة تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين، ثم يتداخلان، فالخيانة مخالفةُ الحق بنقض العهد في السر. ونقيض الخيانة: الأمانة، يقال خنت فلانًا، وخنت أمانة فلانٍ، وعلى ذلك قوله: {لَا تَخُونُوا الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ})) [المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص١٦٣].
وقد ذكر السيد الشريف المرتـضـى (رحمه الله) في كتابه الأمالي: ((الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن ينزَّهوا عن مثل هذه الحال؛ لأنها تعِر، وتشين، وتغُض من القدر، وقد جنّب اللهُ تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيمًا لهم وتوقيرًا ونفيًا لكل ما ينفِّر عن القبول منهم)) [الأمالي، ج٢، ص١٤٥].
فهذا العيب – الزنا – من العيوب المنفِّرة، ونعلم أن المحيط العائلي للأنبياء (عليهم السلام) يجب أن يكون طاهرًا من أمثال هذه العيوب المنفِّرة للناس حتى لا يتقاطع مع هدف النبوة في جذب الناس إلى الرسالة الإلهية.
وقد نسب إلى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ـ فضلًا عن سائر الأئمة (عليهم السلام) ـ ما يتنافى مع عصمتهم وطهارتهم وتأسّيهم بجدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وصف خُلقه في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
إذًا، معنى الرواية بعيدٌ عن الفهم المطروح في السؤال، فضلًا عن كونها مرسلة ومن متفردات مصنف الكتاب التي لم يعوِّل عليها علماء الشيعة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.