مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

«سلمانُ منّا أهلَ البيت» ليس حقيقةً ونسبًا

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف استطاع سلمان المحمدي الوصول إلى مقام (سلمان منا أهل البيت) أي ما العمل الذي مكنه من الوصول إلى تلك المرتبة؟ وهل هي مرتبة حقيقية بحيث صار من أرحامهم أو هي مرتبة اعتبارية تشريفية؟

المستشكل

أبو محمد الكرعاوي

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف استطاع سلمان المحمدي الوصول إلى مقام (سلمان منا أهل البيت) أي ما العمل الذي مكنه من الوصول إلى تلك المرتبة؟ وهل هي مرتبة حقيقية بحيث صار من أرحامهم أو هي مرتبة اعتبارية تشريفية؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
سلمان الفارسيّ، هو: أبو عبد الله، مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويُعرف ‏بسلمان ‏الخير. وكان أصله من فارس من “رام هرمز” من قرية يقال لها (جي)، وكان أوّل ‏الأركان ‏الأربعة، وهو المُفتخر بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «سلمان منّا أهل ‏البيت». ‏وهو من الذين قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حقّهم: «إنّ الله أمرني ‏بحبّ ‏أربعةٍ…»، منهم سلمان، وهو في الدرجة العاشرة من الإيمان.
عدّه الشيخ في رجاله ‏من ‏أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليّ (عليه السّلام). [يُنظر: رجال ‏الطوسيّ، ‏ص20، 43؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ج2، ص634].‏
أسلم سلمان في السنة الأولى، وبالتحديد في شهر جمادى الأولى. عُدّ في بعض الروايات هو ‏وعليّ ‏‏(عليه السلام) من السابقين الأولين، كما قال ابن مردويه. وكان سلمان قد عرف أنّ نبيًّا ‏سيخرج، ‏وأنّه لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، وبين كتفيه خاتم النبوة، فحينما التقى بالنبي (صلى ‏الله عليه ‏وآله وسلم) في قباء قدّم إليه رطبًا على أنّها صدقة، فرأى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله ‏وسلم) قد ‏أمر أصحابه بأن يأكلوا، ولم يأكل هو؛ لأنها صدقة. فعدّها سلمان واحدة. ‏
ثم التقى به (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، فقدم له رطبًا على أنّها هدية، فرأى أنّه ‏‏(صلى ‏الله عليه وآله وسلم) قد أكل منها هذه المرة … ثم التقى به (صلى الله عليه وآله وسلم) في ‏بقيع ‏الغرقد، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) في تشييع جنازة بعض أصحابه، فسلم عليه، ثم ‏استدار ‏خلفه؛ فكشف (صلى الله عليه وآله وسلم) له عن ظهره، فرأى خاتم النبوة، فانكب عليه يقبله، ‏ويبكي، ‏ثم أسلم، وأخبره بقصته. [يُنظر: سلمان الفارسي، للعاملي، ص35-36].‏
روى الطبراني في المعجم الكبير، قال: ((عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، ‏أن ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة عام ‏حزب ‏الأحزاب، حتى بلغ المذابح، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، فاحتجّ المهاجرون والأنصار ‏في ‏سلمان الفارسي رحمه الله، وكان رجلًا قويًّا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت ‏الأنصار: ‏سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‌سلمان ‌منا ‌أهل ‌البيت»)) [المعجم ‏الكبير ‏للطبراني، ج6، ص212؛ تفسير الطبري، ج20، ص‏‏223؛ الطبقات الكبير، لابن سعد، ج4، ص77؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج‏‏3، ص‏‏691].
وقوله (صلى الله عليه وآله): ((سلمان منّا أهل البيت))، فليس معناه أنه من أهل البيت حقيقةً ‏ونسبًا؛ لأن الاتصال النسبي لا يكون إلّا بأسبابه المعروفة، قال محيي الدين بن العربي الحنبلي في ‏بيان معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): “سلمان منا أهل البيت”: ((..أن قوله [صلى ‏الله عليه وآله]: سلمان منّا أهل البيت، لم يجعله من أهل البيت حقيقةً ونسبًا؛ فإن الاتصال نسبًا لا ‏يكون إلّا بأسبابه المقررة في محله، وإذن.. هو منهم تنزيلًا: لتشابه الصفات، بعضها أو كلها، تلك ‏الصفات التي يمكن أن تجعله من الملهَمين. فسلمان منهم بلا شك.. فكان من أعلم الناس بما لله على ‏عباده من الحقوق، ولأنفسهم، والخلق عليهم من الحقوق، وأقواهم على أدائها، وفيه قال رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله): لو كان الإيمان بالثريا لناله رجل من فارس، وأشار إلى سلمان..)) [سلمان ‏الفارسي، للسبيتي، ص40؛ ونفس الرحمان، ص32؛ كلاهما عن الفتوحات المكية].‏
وجاء عن الشيخ الطوسي في التبيان: ((قال النبي صلى الله عليه وآله: «سلمان منا أهل البيت» ‏وإنما ‏أراد على ديننا)) [التبيان في تفسير القرآن، ج٥، ص٤٩٤].‏
وقال المسعودي في “الأسرار الفاطمية”: ((أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة والحكمة لا من ‏أهل بيت النسوان والصبيان والأهل والأولاد)) [الأسرار الفاطمية، المسعودي، ص٤٦].‏
وروي في منزلة سلمان ومكانته في الإسلام جملة من الروايات في مصادر السنة والشيعة، منها: ما رواه ابن سعد في الطبقات: ((أنّه حين اشتغال المسلمين بحفر الخندق، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، يعملون فيها، وكان سلمان قويًّا في عمله، احتج المهاجرون والأنصار. فقال المهاجرون: سلمان منّا. وقال الأنصار: سلمان منّا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سلمان منّا أهل البيت)). [ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 4، ص 59.]
ومنها ما عن العلامة المجلسي في البحار، والشيخ المفيد في الاختصاص، وغيرهما: ((روي أن سلمان الفارسي دخل مجلس رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فعظموه، وقدموه، وصدروه؛ إجلالًا لحقه، وإعظامًا لشيبته واختصاصه، فدخل البعض: فنظر إليه، فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب؟ فصعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم المنبر، فخطب، فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلّا بالتقوى. سلمان بحر لا ينزف، وكنز لا ينفد، سلمان منّا أهل البيت..)) [الاختصاص، المفيد، ص341؛ النوري، نفس الرحمن في فضائل سلمان (رض)، ص29؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص348].
هذا، وكان إذا قيل لسلمان: ابن من أنت؟ فيقول: ((أنا سلمان بن الإسلام أنا من بني آدم)). [سلمان سابق فارس، آل فقيه، ص142].
ويؤكد قائلًا: ((أنا سلمان بن عبد الله. كنت ضالًّا، فهداني الله بمحمد، وكنت عائلًا، فأغناني الله بمحمد، وكنت مملوكًا، فأعتقني الله بمحمد، فهذا حسبي ونسبي)). [الدرجات الرفيعة، للمدني، ص206].
وكانت لسلمان احتجاجات على القوم في هذا المجال، ويؤكد موقفه هذا كلمته المشهورة يوم السقيفة، حين أخبر بمبايعة الناس لأبي بكر، وهي قوله: «كرديد ونكرديد، بمعنى: فعلتم وما فعلتم»، وقد ذكرها المعتزلي في شرح النهج في أكثر من مورد كما ذكرها غيره، إلا أنّهم اختلفوا في تفسيرها. [يُنظر: نفس الرحمن في فضائل سلمان، للنوري ، ص 148].
وقال السيد مرتضى العسكري: ((إنّ مراد سلمان واضح، بل صرّح به هو حيث قال مخاطبًا الصحابة: “أصبتم الخير، ولكن أخطأتم المعدن”. وفي روايةٍ أخرى: أصبتم ذا السِّن منكم، ولكنْ أخطأتم أهل بيت نبيكم، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان ولأكلتموها رغدًا)). [عبد الله بن سبأ، للعسكري، ج1، ص143].
وروى البلاذري في أنسابه أن سلمان الفارسي بعد أحداث السقيفة قال: ((لو بايعوا عليًّا لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)). [البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص591].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.