مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

تواترُ الولادة الميمونة للإمام المهديِّ المنتظَر

تفاصيل المنشور

الاشكال

السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (ع) هي الراوية الوحيدة لولادة الإمام المهدي (ع)، مع أنه لم يرِدْ فيها توثيقٌ في الكتب الرجالية!! فالروايةُ ضعيفة..هكذا يقال، فكيف يُحلُّ هذا الإشكال؟

المستشكل

عبد الحميد الغزالي

تفاصيل المنشور

الاشكال

السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (ع) هي الراوية الوحيدة لولادة الإمام المهدي (ع)، مع أنه لم يرِدْ فيها توثيقٌ في الكتب الرجالية!! فالروايةُ ضعيفة..هكذا يقال، فكيف يُحلُّ هذا الإشكال؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
هذا كلامٌ فاسد من عدة وجوهٍ:
الوجه الأول: أنّ السيدة حكيمة ذُكرتْ بمدحٍ كبير وإطراء لا مثيل له من العلامة المجلسيّ في “بحار الأنوار” فقد قال في حقّها ما نصُّه: ((النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليهما السلام)) [بحار الأنوار، ج99، ص79].
الوجه الثاني: لم تكن روايةُ السيدة حكيمة الرواية الوحيدة في إثبات ولادة الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السلام)، بل هناك طرقٌ أخرى:
1 – منها إخبار والده (عليه السلام) بولادته:
روى الشيخ الكليني في “الكافي”: ((محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد عليه السلام: جلالتُك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أنْ أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك ولدٌ؟ فقال: نعم، فقلت: فإن حدث بك، فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة)) [الكافي، ج1، ص328]، قال العلامة المجلسي في “مرآة العقول”: ((الحديث صحيح)) [مرآة العقول، ج4، ص2].
وروى الشيخ الصدوق في “كمال النعمة”: ((حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلّى بن محمّد البصري، قال: خرج عن أبي محمّد “عليه السلام” حين قتل الزبيري: “هذا جزاء من افترى على الله تبارك وتعالى في أوليائه، زعم أنّه يقتلني، وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله عزّ وجل “وولد له ولد وسماه” م ح م د ” سنة ست وخمسين ومائتين)) [كمال الدين وتمام النعمة، ص430].
رجال هذا الحديث كلّهم ثقات: جعفر بن محمّد بن مسرور هو “ابن قولويه” الثقة. [يُنظر: المنهج الرجالي للسيد الجلالي، ص211]، والحسين بن محمّد بن عامر ثقة. [انظر: المفيد من معجم رجال الحديث، ص178]، ومعلى بن محمّد البصري ثقة. [المصدر السابق، ص613]. إذن، فالرواية معتبرة.
2 – ومنها عرض أبيه له أمام أصحابه:
روى الشيخ الصدوق في “كمال الدين” بسندٍ صحيحٍ عن: معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيوب بن نوح ومحمّد عثمان العمري، قالوا: ((عرض علينا أبو محمّد الحسن بن علي، ونحن في منزله، وكنا أربعين رجلًا، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم، فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلّا أيامٌ قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام)) [كمال الدين وتمام النعمة، ص435].
وهذه الرواية صحيحة. [يُنظر: الرسالة المختصرة في النصوص الصحيحة على إمامة الأئمة الاثني عشر، للمرجع الديني الشيخ جواد التبريزي، ص25].
3 – ومنها إخبار من رآه:
روى الكليني في “الكافي”: ((محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيى جميعًا، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلَف، فقلت له: يا أبا عمرو، إني أريد أن أسألك عن شيءٍ، وما أنا بشاكٍّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجّةٍ إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يومًا – إلى أن قال – فقلت له: أنت رأيت الخلَف من بعد أبي محمّد عليه السلام؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا – وأومأ بيده – فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: فالاسم؟ قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أنْ أحلّل، ولا أحرّم، ولكنْ عنه عليه السلام)) [الكافي، ج1، ص330].
قال العلامة المجلسي في “مرآة العقول”: ((الحديث صحيح)) [مرآة العقول، ج4، ص5].
وروى الكليني – أيضًا – في “الكافي” : ((علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنه رآه عند الحجر الأسود، والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: ما بهذا أمروا)) [الكافي، ج1، ص331]، قال العلامة المجلسي: ((صحيح)) [مرآة العقول، ج4، ص10].

الوجه الثالث: على فرض ضعف الرواية التي تروي فيها السيدةُ حكيمة ولادتَه (عليه السلام)، فإنّ تواتر الولادة ثابت، ومعه لا يُتوقف عند وثاقة الرواة وعدمهم، وهذا أمر متسالَمٌ عليه عند علماء الحديث من الفريقين.
فلو كانت الرواية التي تروي فيها السيدة حكيمة ولادتَه (عليه السلام) ضعيفةَ السند فهي مع وجود التواتر بالولادة لا يُلتفت إلى ضعفها وعدمه؛ لأنّ المدار في ثبوت الحديث المتواتر هو على مجموع طرقه لا على وثاقة الرواة وعدمهم.
وممّن أثبت تواتر الولادة الميمونة من علماء الإمامية:
العلامة الحلّي في “منهاج الكرامة” وهذا نصُّ كلامه: ((وقد تواترت به الشيعة في البلاد المتباعدة خلَفًا عن سلَفٍ من النبيّ “صلى الله عليه وآله وسلم” أنّه قال للحسين “عليه السلام”: “هذا إمامٌ ابن إمامٍ أخو إمام أبو أئمةٍ تسعةٍ، تاسعهم قائمهم، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا)) [منهاج الكرامة، ص177].
وجاء في كتاب “الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف “لابن طاووس” قوله: ((ونَقل إلينا سلفنا نقلًا متواترًا أنّ المهديَّ عليه السلام المشار إليه ولد ولادةً مستورة)) [الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص183].
وفي كتاب “الأربعون” للشيخ الماحوزي: ((إجماع الشيعة رضوان الله عليهم، وتواتر أخبارهم بولادته صلوات الله عليه وعلى آبائه، على نحو ولادة إبراهيم وموسى عليهما السلام، وغيرهما مما اقتضت المصلحة أنْ تستر ولادته، وقد استفاضت الأخبار عنهم باسمه ونسبه)) [الأربعون، ص211].
وعن الشيخ المظفر في كتاب “عقائد الإمامية” قوله: ((هذا المصلح المهديُّ هو شخصٌ معيَّن معروف، ولد سنة 256 هجرية، ولا يزال حيًّا، هو ابن الحسن العسكري، واسمه محمّد. وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به وما تواتر عندنا من ولادته واحتجابه)) [عقائد الإمامية، ص78 و79].
الوجه الرابع: فقد تسالم فقهاء المسلمين كلّهم بأنّ ولادة شخصٍ ما وانتسابه لأبيه تثبت بإقرار أبيه به، فضلًا عن البيّنة، وهي شهادة شاهدين عادلين بنسبة هذا الولد لأبيه، فضلًا عن دعوى العلم بالولادة بالتواتر ونحوه، فضلًا عن شهادة علماء الأمّة بالولادة، وهذه كلّها متوفرة في موضوع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) أرواحنا لمقدمه الفداء.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.