تفاصيل المنشور
- السائل - طالب علم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 22 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلامُ عليكم .. ما الحكمةُ التي لأجلها تعدَّدت وسائل الشفاعة، فوهبها اللهُ لبعض عباده، ولم يقصُرها على رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) مع العلم أنَّ جميع الخلق بشتى مكاناتهم محتاجون لشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
السائل
طالب علم
السلامُ عليكم .. ما الحكمةُ التي لأجلها تعدَّدت وسائل الشفاعة، فوهبها اللهُ لبعض عباده، ولم يقصُرها على رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) مع العلم أنَّ جميع الخلق بشتى مكاناتهم محتاجون لشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
على الرغم من تعدُّد وتنوُّع الشفعاء يوم القيامة، إلا أنَّ شفاعة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الأصل الذي تتفرَّع عنه شفاعاتهم جميعًا، وهي المفتاح الذي يفتح أبوابَ الشفاعة كلَّها، وما لا يستطيع أيُّ شفيعٍ تحقيقه يحقِّقه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشفاعته الكريمة، إذ يتمتَّع بأعلى درجات الشفاعة التي يشمل نفعُها جميع الخلائق، بما فيهم سائر الشفعاء.
ولا بأس بالإشارة إلى الشُّفعاء يومَ القيامة مِن باب الإحاطة، ثم نبيِّن نفعَ تعدُّد الشفاعة وتنوعها:
جاء في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 38 – 47] أنه يُستفاد منه ومن آياتٍ أُخرى أنّ الشفعاء كثيرون في يوم القيامة (مع اختلافِ دائرة شفاعتهم) ويُستفاد مِن مجموع الرّوايات الكثيرة والمنقولة من الخاصّة والعامّة أنّ الشفعاء يشفعون للمذنبين لمَن فيه مؤهِّلات الشفاعة:
الشفيع الأوّل، النبي: فالنّبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الشفيع الأول يوم القيامة، فقد جاء عنه أنه قال: ((أنا أوّل شافعٍ في الجنّة)) [صحيح مسلم، ج2، ص130].
الشفيع الثاني، الأنبياء: فالأنبياءُ مِن الشفعاء يوم القيامة، كما ورد في حديثٍ آخر عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((يشفع الأنبياءُ في كلّ مَن يشهد أنْ لا إله إلّا اللّه مخلصًا، فيخرجونَهم منها)) [مسند أحمد، ج3، ص12].
الشفيع الثالث، الملائكة: مِن الشفعاء يوم المحشر الملائكة، فقد نُقِل عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((يُؤذَن للملائكة والنّبيِّين والشّهداء أنْ يشفعوا)) [مسند أحمد، ج5، ص43].
الشفيع الرابع والخامس، الأئمّة المعصومون وشيعتُهم: جاء ذلك في قول أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال: ((لنا شفاعةٌ، ولأهل مودَّتنا شفاعةٌ)) [الخصال للصدوق، ص624].
الشفيع السادس والسابع، العلماء والشّهداء: جاء ذلك في حديثٍ عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: ((يشفعُ يومَ القيامة الأنبياءُ ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء)) [سنن ابن ماجة، ج2، ص1443].
وورد في حديثٍ آخر نقلَهُ المجلسيُّ في بحار الأنوار: ((أنّ شفاعتهم تُقبَل في سبعين ألفَ نفرٍ)) [بحار الأنوار، ج100، ص14].
الشفيع الثامن، القرآن: وهو مِن الشفعاء في يوم القيامة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((واعلموا أنّه (القرآن) شافعٌ مشفَّع)) [نهج البلاغة، الخطبة، 176].
الشفيع الثامن، مَن مات على الإسلام: فقد ورد عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: ((إذا بلغ الرجل التسعين غفَر اللّهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشُفِّع في أهله)) [مسند أحمد، ج2، ص89].
الشفيع العاشر، العبادة: فقد جاء في حديثٍ عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ((الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة)) [مسند أحمد، ج2، ص174].
الشفيع الحادي عشر، العملُ الصالح: فقد ورد في بعض الرّوايات أنّ العمل الصالح ـ كأداء الأمانة ـ يكون شافعًا في يوم القيامة. [مناقب ابن شهر آشوب، ج2، ص14].
والرّوايات كثيرةٌ في هذا الباب، وما ذكرناه هو جانبٌ منها. [للاستيضاح يمكن الرجوع إلى كتاب مفاهيم القرآن، للشيخ السبحاني، ج4، ص288-311].
ونفْعُ تعدُّد الشفعاء يوم القيامة بيَّنه السيّد الطباطبائي(رحمه الله) في تفسيره فيما نقلَه عن تفسير العيَّاشي، عن سماعة بن مهران، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قول الله: {… عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء:۷۹] قال: يقوم الناسُ يوم القيامة مقدارَ أربعين عامًا، ويُؤمَر الشمس، فيَركب على رؤوس العباد، ويلجمهم العَرق، ويُؤمَر الأرض لا تقبلُ مِن عرَقهم شيئًا، فيأتون آدم، فيستشفعون منه، فيدلُّهم على نوحٍ، ويدلُّهم نوحٌ على إبراهيم، ويدلُّهم إبراهيمُ على موسى، ويدلُّهم موسى على عيسى، ويدلُّهم عيسى، فيقول: عليكم بمحمَّدٍ خاتم الرُّسل، فيقول محمَّد (صلى الله عليه وآله): أنا لها، فينطلق حتّى يأتيَ باب الجنَّة، فيَدقُّ… فيُقال: افتحوا له، فإذا فُتِح البابُ استقبَل ربَّه، فخرَّ ساجدًا، فلا يرفَع رأسه حتّى يقال له: تكلَّمْ، وسلْ تُعطَ، واشفعْ تُشفَّع، فيرفَع رأسَه، ويستقبل ربَّه، فيخرُّ ساجدًا، فيقال له مثلها، فيرفع رأسه حتّى أنَّه ليشفع لمن قد أُحرِق بالنار. فما أحدٌ مِن الناس يوم القيامة في جميع الأُمم أوجه من محمَّد (صلى الله عليه وآله)، وهو قول الله تعالى: {… عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}.
وقال السيّد الطباطبائي (رحمه الله) في ذيل نقله لهذا الحديث: «أقول: وهذا المعنى مستفيض مرويٌّ بالاختصار والتفصيل بطرقٍ متعدِّدة من العامَّة والخاصَّة، وفيها دلالةٌ على كون المقام المحمود في الآية هو مقام الشفاعة، ولا ينافي ذلك كون غيره (صلى الله عليه وآله) من الأنبياء وغيرهم جائز الشفاعة؛ لإمكان كون شفاعتهم فرعًا لشفاعته فافتتاحها بيده (صلى الله عليه وآله)». [تفسير الميزان، ج۱، ص۱۷٥].
ويمكن استنتاج أنَّ تعدُّد الشفعاء يوم القيامة واختلاف مراتبهم يدلُّ على عظمة شفاعة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهي الشفاعةُ الكبرى التي تشمل جميع الخلائق، فهو الشفيع الأعظم الذي تتمتع شفاعته بأعلى الدرجات، وتشمل حتى الأنبياء والصالحين والملائكة، وهذا التعدُّد في الشفعاء يُبرز رحمة الله الواسعة، حيث تُتيح رحمته (الشفاعة) لعباده نيل الشفاعة حسب أعمالهم وأقوالهم، ولكن كلّ هذه الشفاعات تعود في النهاية إلى شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي الأصل الذي تتفرع عنه جميع الشفاعات الأخرى.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.