مركز الدليل العقائدي

القرآن ومسألة بيان تفاصيل الأحكام

تفاصيل المنشور

السؤال

لقد عرفنا وجوب الصلاة والحج والزكاة من القرآن ولكن لم يرد ذكر تفاصيل هذه الصلاة وهذا الحج وهذه الزكاة ولو في آية واحدة، ثم ما هو المصدر الذي يمكن أن يعتمد عليه في بيان تفاصيل هذه الواجبات التي لا تتعدى كونها أحاديث مسطورة في كتب قديمة فهل يمكن الاعتماد على غير كتاب الله في بيان الأحكام مع أن كتاب الله لم يبين أحكامها؟!!

السائل

أنور المياحي

تفاصيل المنشور

السؤال

لقد عرفنا وجوب الصلاة والحج والزكاة من القرآن ولكن لم يرد ذكر تفاصيل هذه الصلاة وهذا الحج وهذه الزكاة ولو في آية واحدة، ثم ما هو المصدر الذي يمكن أن يعتمد عليه في بيان تفاصيل هذه الواجبات التي لا تتعدى كونها أحاديث مسطورة في كتب قديمة فهل يمكن الاعتماد على غير كتاب الله في بيان الأحكام مع أن كتاب الله لم يبين أحكامها؟!!

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

آيات الصلاة والزكاة والحج غيرها من العبادات وردت في القرآن الكريم بنحو مجمل، إلا أن الله سبحانه أوكل تفاصيلها وبيان أحكامها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنص القرآن أيضاً، وقبل ذكر النصوص الدالة على ذلك، نذكر أولاً النصوص الآمرة بالأخذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنقول:

إن بيانات القرآن الكريم واضحة في لزوم الأخذ عن الرسول واتباعه وعدم مخالفته، حيث قال عزّ من قائل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقوله: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158]، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النّور:63]؛ وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].

فالمولى سبحانه أمر الناس باتباع رسوله، وبين أن كل الهداية في اتباعه، وحذر من مغبة مخالفة أمره، فإذا كان كذلك وجب على الناس اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أقواله وبياناته وأفعاله، وعدم مخالفة أمره.

أما النصوص القرآنية التي تدل على أن الله سبحانه أوكل إلى رسوله بيان وتفاصيل الأحكام، فهي قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدوره بيّن تفاصيل كل الأحكام وبأحاديث صحيحة وصلتنا عن طريق ذريته الطاهرة الذين نصّبهم خلفاء من بعده، كما في الحديث المشهور المتواتر عند جميع المسلمين: ((إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) [صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1، ص482، مسند أحمد بن حنبل، برقم: 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط]. 

وأئمتنا (عليهم السلام) قد اسندوا أحاديثهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل واضح وصريح وفي أحاديث صحيحة عندنا، وبذلك تكون أحاديثهم هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإسناد المذكور.. وإليك البيان:

فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله عز وجل)) [الكافي، ج1، ص53؛ الإرشاد، ج2، ص187].

وفي رواية جابر يقول: ((قلت لأبي جعفر عليه السلام: إِذا حدثتني بحديث فأسنده لي، فقال: حدثني أبي، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرائيل عليه السلام، عن الله (عز وجل). وكل ما أحدثك بهذا الإسناد)) [بحار الأنوار، ج2، ص178].

وكذلك جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله لجابر: ((يا جابر، لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم عندنا نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم)) [بصائر الدرجات، ص32].

وفي حديث صحيح رواه الشيخ الكليني بسنده عن حماد بن خلف الكوفي عن الإمام الكاظم (ع): ((قلت: فرفع يده إلى السماء، وقال: والله ما أخبرك إلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل عن الله عزّ وجل)) [الكافي، ج3، ص94، مرآة العقول، ج13، ص231].

وهو مما يعترف به أهل السنّة في مروياتهم أيضاً، حيث يروي أبن حجر في “التهذيب”: ((قيل لأبي بكر بن عياش مالك لم تسمع من جعفر وقد أدركته؟، قال سألناه عمّا يتحدث به من الأحاديث أشيء سمعه قال لا، ولكنها رواية رويناها عن آبائنا)) [تهذيب التهذيب، ج2، ص88].

فإذا عرفت هذه المقدّمة، فقد ثبتت عندنا بأحاديث صحيحة عن أئمة العترة الطاهرة عن جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيان عدد ركعات الصلاة وتفاصيلها، وأحكام الحج والزكاة وغيرها من العبادات، ذكرها الشيخ الحرّ العاملي في كتابه (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة)، وقد استند إليها فقهائنا الأعلام، قديما وحديثا، واثبتوا ذلك في رسائلهم العملية، ودونك بحوثهم الإستدلالية وموسوعاتهم البحثية في هذا الجانب، نحو: موسوعة الإمام الخوئي قدس سره، أو موسوعة فقه الصادق للمرجع الروحاني وغيرها، حتى تقف على تفاصيل ما ذكرناه . 

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين