مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

أُسطورةُ اختفاءِ الإمام المهديِّ المنتظر في السرداب

تفاصيل المنشور

الاشكال

يعتقدُ الشيعةُ بأنَّ المهديَّ المنتظر قدِ اختفى في السرداب، وينتظرون خروجَه منه. وهذهِ واحدةٌ من الأدلة التي تعكس مستوى تفكيرِهم‏. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ فكرة بقاء إنسان على قيد الحياة لأكثرَ من ألف سنة غير منطقية، ولا يمكن الاستدلال عليها بحياة الخضر عليه السلام؛ لأن الدليل دلَّ على وفاته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “رحِم اللهُ أخي الخضر، لو كان حيًّا لزارني”.

المستشكل

ناصر السلف

تفاصيل المنشور

الاشكال

يعتقدُ الشيعةُ بأنَّ المهديَّ المنتظر قدِ اختفى في السرداب، وينتظرون خروجَه منه. وهذهِ واحدةٌ من الأدلة التي تعكس مستوى تفكيرِهم‏. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ فكرة بقاء إنسان على قيد الحياة لأكثرَ من ألف سنة غير منطقية، ولا يمكن الاستدلال عليها بحياة الخضر عليه السلام؛ لأن الدليل دلَّ على وفاته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “رحِم اللهُ أخي الخضر، لو كان حيًّا لزارني”.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

ثمةَ مقولةٌ شهيرةٌ تُنسبُ إلى وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز، “اكذب اكذب حتى يصدقَك الآخرون”.. والغايةُ منها تحريف الحقائق.

إنَّ علماءَ أهل السُّنة هم أولُ مَن ادَّعوا أنَّ الشيعة تعتقد بأنَّ المهدي اختفى في السرداب، وأنهم ينتظرون خروجَه منه، حيث حدَّدوا هذه الحادثة في كتبهم بالسنة 266 أو 265 هـ. والمضحك المُبكي في آنٍ واحد أنهم نظَموا في ذلك أشعارًا استهجنوا فيها هذا الاعتقاد الذي نسبوه إلى الشيعة زورًا وبهتانًا، فأنشد بعضهم: ((ما آنَ ‌للسرداب ‌أنْ ‌يلدَ ‌الذي … كلَّمتُمُوه بجهلِكم ما آنا)) ‏[المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص152].‏

ومن اللافت للنظر أنْ نجد علماء أهل السُّنة، أمثال ابن الجوزي (تـ 596هـ)، وياقوت الحموي (ت 626هـ)، وابن الأثير (تـ 630هـ)، وابن خَلِّكان (تـ 681هـ)، وابن خلدون (تـ 808هـ)، وغيرهم، قد ذكروا هذه الحكاية الأسطورية في مؤلَّفاتهم، مما يشيرُ بوضوحٍ إلى أنَّ أصل هذه الفكرة يعود إليهم، ونشأتْ في أوساطهم، رغم افتقارها لأيِّ سندٍ تاريخي‏ أو روائي، فنُسِبتْ زورًا إلى الشيعة، وكذبوا عليهم حتى صدَّقها مَن صدَّقها، فصيَّروها جزءًا من العقيدة ‏الشيعية، في حين لم نجد واحدًا من علماء الشيعة، ممَّن عاش قبل تلك التواريخ، يذكر هذه الحكاية المكذوبة، فلم يذكر الطوسي ـ المتوفَّى سنة (460ه‍) في أيٍّ من مؤلفاته ـ مثلَ هذهِ الحكاية التي تُشبه في طابعها حكاياتِ العنقاء أو الغول، مما يؤكد زيفها وبُعدها عن المعتقد الشيعي الأصيل، ويعزِّز فرضية أنها رواية مفبركة‏، ويبدو أنَّ هؤلاء العلماء لجأوا إلى أسلوب التشهير والاتّهام الكاذب، عندما عجزوا عن تقديم أي ‏دليلٍ على صحة ادّعاءاتهم. ‏

غير أنَّ عقيدة الشيعة واضحةٌ في أنَّ أول ظهورٍ للإمام سيكون في مكة المكرمة، حيث يُبايَع له بين ‏الركنِ والمقام، ثم يَنتقل إلى المدينة المنورة، وصولًا إلى العراق حيث يكون مقرُّه الكوفة، وجاء في هامش كتاب “الإلهيات”: ((وأما ما يلهَج به بعض النواصب الأعداء، من أنّ الشيعة تذهب إلى غيبته في السرداب في سامراء، فهو مِن الأكاذيب التي ليس لها أصل أبدًا، لا في الكتب، ولا في صدور العوامِّ، وإنّما افتعلوه ازدراءً بالعقيدة)) [الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، للشيخ السبحاني، ج٤، ص١٣٤].

وبالنتيجة، فإن القول بأن الإمام المنتظر اختفى في السرداب سنة 266 أو 265 هـ، والشيعة إلى اليوم ينتظرون خروجَه منه، هو ادِّعاء باطلٌ لا أساس له من الصحة‏، وقد رُوِّجَ له من قِبَل بعض علماء السُّنة بهدف تشويه صورة الشيعة، صحيحٌ أنَّ بعض الكتب الشيعية المتأخرة ذكرت مسألة السرداب، إلا أنها كانت في سياق التذكير بغيبة الإمام، وليس في سياق تحديد مكان وجوده وخروجه.

وأما الاستدلال بالحديث: (رحمَ الله أخي الخضر، لو كان حيًّا لزارني)، على وفاة‏ الخضر (عليه السلام)، فالجواب على ذلك هو:

جاء في كتاب “المقاصد الحسنة”، أن هذا ليس حديثًا، وإنما هو من كلام السَّلف ممَّن ينكر حياة الخضر، قال العلامة السخاوي: ((قال شيخنا: لا يثبت مرفوعًا، وإنما هو من كلام بعض ‏السلف، ممن ‏أنكر ‌حياة ‌الخضر)) [المقاصد الحسنة، للسخاوي، ص363].‏

ونجد ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”، قد رجَّح ‌حياة ‌الخضر، ونافَح عن ذلك بشدة، وانتقد من يقول بموته. [يُنظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، ج4، ص338].‏

وذهب ابن الصلاح، والسهيلي، ‏والنووي، والقرطبي‏، إلى القول بحياة الخضر وأنه الرجل الذي يقتله الدجّال، وقال القرطبي: إنه قول الجمهور. [يُنظر: تهذيب الأسماء واللغات، ج1، ص176؛ ‏تفسير القرطبي، ج11، ص48].‏

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ((هو حيٌّ عند جمهور العلماء والصالحين والعامة معهم في ‏ذلك)) [شرح النووي، ج5، ص136؛ فتاوى ابن الصلاح، ص28].‏

وقال الفيروزآبادي في “البصائر”: ((واختلف العلماء في ‌حياة ‌الخَضِر وفى نبوّته، فقال ‏الأَكثرون: هو حيٌّ موجود بين أَظْهُرِنا)) [بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ‏للفيروزآبادي، ج6، ص76].‏

وقال المقدسي في كتابِه “فتح الرحمن”: ((واختُلف في ‌حياة ‌الخضر، فكثيرٌ من العلماء ذهب إلى ‏أنه حيٌّ، وهو يصلي الجمعة في خمسةِ مساجد: في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد ‏بيت المقدس، ومسجد قباء، ومسجد الطور، في كل مسجدِ جمعة)) [فتح الرحمن في تفسير ‏القرآن، للمقدسي، ج4، ص209].‏

ونقل ابن حجر الهيتمي قولَ “اليافعي” في “الفتاوى الحديثية”، أنه قال: ((… وما ذكرته من حياة ‏الخضر هو الذي قطع به الأولياء، ورجَّحه الفقهاء والأصوليون وأكثر المحدِّثين، وقد اجتمع به، ‏وأخبر عنه مَن لا يُحصى من الصدِّيقين والأولياء في كلِّ زمانٍ، بل واللهِ لقد أخبروني أنه اجتمع ‏بي، وسألني عن شيءٍ، فأجبته، ولم أعرفه؛ لأنه لم يعرفْه إلا صاحب استعدادٍ ممَّن شاء الله، ومبالغةُ ‏ابن الجوزي في إنكار حياته غُلوٌّ منه؛ إذ هو إنكارٌ للشمس، وليس دونها حجاب، بل كلامه فيه ‏متناقض…)) [الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي، ص230].‏

وقال الملا على القاري في “المرقاة”: ((قال البغَوي في معالم التنزيل: أربعةٌ مِن الأنبياء في ‏الحياة، اثنان في الأرض: الخضر وإلياس، واثنان في السماء: عيسى وإدريس عليهم الصلاة ‏والسلام)) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري، ج8، ص3498].‏

إذًا، لا استحالة في طول حياةِ الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السلام)، فإنه قد عمَّر كثيرٌ من الناس ‏حتى جاوزوا الألف، ومنهمُ الخضر (عليه السلام).‏

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.