تفاصيل المنشور
- السائل - راجح السمان
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 77 مشاهدة
تفاصيل المنشور
يا شيعة آل ساسان، إن الصلاة التي يصلّيها اليوم أهل السُّنة والجماعة هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي نقلها لنا حفَظة الدّين وحماتُه، وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأرضاهم، أما صلاتكم فلا أساس، ولا أصل لها؛ لأنكم تُعادون صحابة الرسول، وهو عليه الصلاة والسلام أوصى بسُنة الخلفاء من بعده، فقال: «عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي».
السائل
راجح السمان
يا شيعة آل ساسان، إن الصلاة التي يصلّيها اليوم أهل السُّنة والجماعة هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي نقلها لنا حفَظة الدّين وحماتُه، وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأرضاهم، أما صلاتكم فلا أساس، ولا أصل لها؛ لأنكم تُعادون صحابة الرسول، وهو عليه الصلاة والسلام أوصى بسُنة الخلفاء من بعده، فقال: «عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي».
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
من الواضح أنّ المستشكل أرخى زمام الخواطر لتجُول في عقله، وقد أفرط في ذلك حتى رمى القول على عواهِنه، وشطَّ في مزاعمه محاولًا خداع غيره بما ذكره، لكنه في الواقع ما خدع إلا نفسه.. نسأل اللهَ حُسن العاقبة وجميل المآل، ونعوذ به من سوئها.
ويفهم من الاستشكال أنّ صحة صلاة أهل السُّنة مبنيّة على حديث «عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، الذي رواه الترمذي في سُنَنه، وأبو داود في سُننه، وأحمد في مسنده، وابن حبّان في صحيحه، وغيرهم، واللفظ للأول، قال: ((حدثنا علي بن حجر، قال: حدّثنا بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، قال: «وعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغداة موعظةً بليغة، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، فقال رجلٌ: إن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهَد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعشْ منكم يرَ اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدَثات الأمور، فإنها ضلالةٌ، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ»)) [سنن الترمذي، ج5، ص44؛ سنن أبي داود، ج7، ص16؛ مسند أحمد، ج28، ص375؛ صحيح ابن حبّان، ج4، ص114].
والحديث بجميع طرقه وأسانيده ينتهي إلى «العرباض بن سارية السلمي» فهو الراوي الوحيد له، فقد ذكر الرواة ثلاثة عشر طريقًا للحديث، كلُّها تنتهي إلى «العرباض بن سارية» ولا يُعرف عن غيره من الصحابة، ثم لا يثبت عنه من جميعها طريق صحيح أو حسن لذاته، بل إنّ جميع طرقه يوهِّن بعضُها بعضًا.
علاوة على ذلك، فإنّ هذا الحديث لا يُعرف إلا من طريق الشاميين؛ إذ لم يكن لهم من الإسناد المتّصل وضبط الألفاظ ما لغيرهم من أهل المدينة والبصرة. [يُنظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، ج20، ص316].
وهذا الحديث – بنحو عام – لا يصح الاحتجاج به، من وجوه:
الأول: كيف يخطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة كهذه، ويعِظ عظةً إلى الحدّ الذي تذرف لها العيون، وتوجَل منها القلوب أمام جمعٍ من الصحابة، وكان من الحريّ جدًّا نقلها والاعتناء بها؛ لما أنها وصية مودِّع، ولكونها بليغة عظيمة؛ ثم لا تُعرف، ولا تُنقل إلا من طريق صحابيٍّ واحد، فضلًا عن عدم ثبوتها عنه من طريقٍ صحيح أو حَسَن لذاته؟!
الثاني: أن مصادر الحديث قد نَقلت ما عُرف، واشتهر من خُطَبه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي وفاته مما ودّع به أصحابه والناس، وليس في واحد منها هذا السياق المذكور، ولا يقاربه.
الثالث: قوله: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة؛ وإن عبدٌ حبشيٌّ))، وفيه: كيف يأمر (صلى الله عليه وآله وسلم)، بالطاعة لعبدٍ حبشيٍّ، مع أن العبد تبَعٌ لسيده ومؤتمِرٌ بأمره، في حين أن من شرط الإمارة أن يكون الأمير حرًّا.. هذا غير معارضته ببعض النصوص الصحيحة التي خصت الإمارة بقريش، فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن جابر بن سمرة، أنه قال: ((دخلت مع أبي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: “إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفةً”. قال: ثمّ تكلّم بكلامٍ خفِيَ عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: “كلّهم من قريش”)) [صحيح مسلم، ج6، ص3، كتاب الإمارة].
الرابع: قوله: ((فعليكم بسُنتي))، وفيه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تواتر عنه التأكيد في كل خطَبه على اتّباع الكتاب، وهنا لم نجد ذكرًا لذلك، وبالنتيجة، فهو معارض بحديث ((إني قد تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسُنتي)) [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج1، ص172، ط. العلمية]، الذي يتمسك به أهل السنة، وفيه – أيضًا ـ إثباتٌ واضح لمخالفة عمر بن الخطاب لهذه الوصية على ما أخرجه البخاريّ في صحيحه، عن ابن عباس من قوله: ((حسبنا كتاب الله)) [صحيح البخاري، ج4، ص1612، تـ. البغا].
الخامس: قوله: ((وسُنة الخلفاء الراشدين المهديّين … تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ))، وفيه: أنه ليس ثمة نقصٌ في سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى يوصي المسلمين باتباع سنة مَنْ بعده، وإذا كان الخلفاء الراشدون إنما يطبِّقون سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما الداعي للنصّ على اتّباع سُنتهم؟!
ناهيك عن إطباق أهل السُّنة – بجميع مذاهبهم – على عدم عصمة أحدٍ غير الأنبياء، وعليه، فكيف يُؤمَر المسلمون باتّباع غير المعصوم وسُنته، إلى جانب اتّباع المعصوم وسنّته؟!.
إلى هنا ثبت بطلان الحديث من أصله، فينهدم البناء الذي على أساسه زعم المستشكل صحة مذهبه وعباداته.
أما الصلاة التي يتبجَّح بها المستشكل فقد جاء على لسان الروايات مما ثبت، وصحَّ أنّ الصحابة قد أضاعوها، وحفِظها عليٌّ (عليه السلام).
ودليل أن الصحابة قد أضاعوا الصلاة ما رواه البخاري في صحيحه، عن أنس، أنه قال: ((ما أعرف شيئًا مما كان على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قيل: الصلاة؟ قال: أ ليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها)) [صحيح البخاري، ج1، ص112، ط. السلطانية].
وعن الزهري، أنه كان يقول: ((دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئًا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت)) [المصدر نفسه، ج1، ص112].
وأخرج الطيالسيّ في المسند، والبوصيري في مختصر الإتحاف، عن أنس، أنه قال: ((والله ما أعرف اليوم شيئًا كنتُ أعرفه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا أبا حمزة، والصلاة؟ قال: أ وليس أَحدَثتم في الصلاة ما أَحدَثتم؟)) [مسند أبي داود الطيالسي، ص271؛ مختصر إتحاف السادة المهَرة، للبوصيري، ج2، ص307].
وقد دلّ على أنهم أحدَثوا في الصلاة ما رواه البخاري في صحيحه، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: ((لقيتُ البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبى لك، صحبتَ النبي صلى الله عليه وسلم، وبايعتَه تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، إنك لا تدري ما أحدَثْنا بعده)) [صحيح البخاري، ج5، ص125، ط. السلطانية].
وثبت أنهم أحدثوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعضهم يُتمُّ صلاته في السفر، وآخر يصلي صلاة الصبح اربع ركعات، فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن الزهري، أنه قال: ((قلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ في السفر؟ قال: إنها تأوّلت كما تأوّل عثمان)) [صحيح البخاري، ج2، ص44؛ صحيح مسلم، ج1، ص478، تـ. عبد الباقي].
وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمِّه، ولّاه عثمان الكوفة بعد أن عَزل عنها سعد بن أبي وقاص، فصلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم، فقال: أزيدكم؟ [يُنظر: صحيح البخاري – بحاشية السهارنفوري – ج7، ص666، تـ. الندوي].
وأما دليل أنّ عليًّا (عليه السلام) قد حفِظ الصلاة، وكانت صلاته تذكِّرهم بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما أخرجه البخاريّ في صحيحه، عن عمران بن حصين، أنه: ((صلى مع عليٍّ رضي الله عنه في البصرة، فقال: ذكّرَنا هذا الرجل صلاةً كنّا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)) [صحيح البخاري، ج1، ص271، تـ. البغا].
ومن ذلك، أنّ أبا هريرة كان يصلّي خلف عليٍّ (عليه السلام)، ويقول: ((الصلاة خلف عليٍّ أتمّ)) [شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للعماد الحنبلي، ج1، ص64؛ السيرة الحلبية، ج3، ص397].
وبما أنّ الشيعة ـ حسب تعريف ابن خلدون ـ هم: ((الصَّحْب والأتْبَاع، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف على أَتْبَاع عليٍّ وبنيه رضي الله عنهم)) [مقدمة ابن خلدون، ص196]، فصلاة الشيعة اليوم تذكِّر المسلمين بصلاة عليٍّ (عليه السلام)، كما كانت صلاته (عليه السلام) تذكِّر الصحابة بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.